وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَوَاضِعُ غَيْرُ هَذَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ الدُّهْنَ يَتَنَجَّسُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ، فِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، أَظْهَرُهُمَا: جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ، كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَفِي طَهَارَتِهِ بِالْغَسْلِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ: أَحَدُهُمَا: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ شُرَيْحٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ شَعْبَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ، وَهَذَا النِّزَاعُ يَجْرِي فِي الدُّهْنِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِلَا رَيْبٍ، فَفِي جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ هَذَا النِّزَاعُ؛ وَكَذَلِكَ فِي غَسْلِهِ هَذَا النِّزَاعُ.
وَأَمَّا بَيْعُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، لَا مِنْ مُسْلِمٍ وَلَا كَافِرٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعَهُ مِنْ كَافِرٍ، إذَا عَلِمَ بِنَجَاسَتِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. وَقَدْ خُرِّجَ قَوْلٌ لَهُ بِجَوَازِ بَيْعِهِ مِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ، كَمَا فَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا. وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَّجَ جَوَازَ بَيْعِهِ عَلَى جَوَازِ تَطْهِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَطْهِيرُهُ صَارَ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ، وَالْإِنَاءِ النَّجَسِ، وَذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وِفَاقًا، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ إذَا قَالُوا بِجَوَازِ تَطْهِيرِهِ وَجْهَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى ثِيَابِهِ مَاءٌ مِنْ طَاقَةٍ مَا يَدْرِي مَا هُوَ]
٢٩ - ١٣ - مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ وَقَعَ عَلَى ثِيَابِهِ مَاءٌ مِنْ طَاقَةٍ مَا يَدْرِي مَا هُوَ، فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْتَحَبُّ السُّؤَالُ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ، فَقَدْ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ رَفِيقٍ لَهُ، فَقُطِرَ عَلَى رَفِيقَهْ مَاءٌ مِنْ مِيزَابٍ فَقَالَ صَاحِبُهُ: يَا صَاحِبَ الْمِيزَابِ مَاؤُك طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute