للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَقِيرِ وَالْفَقِيهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ، وَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ لَا يَسْتَحِبُّونَ ذَلِكَ بَلْ قَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمْيِيزِ عَنْ الْأُمَّةِ وَبِثَوْبِ الشُّهْرَةِ.

أَقُولُ هَذَا فِيهِ تَفْصِيلٌ فِي كَرَاهَتِهِ وَإِبَاحَتِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ مِنْ وَجْهٍ وَيُفَرَّقُ مِنْ وَجْهٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّ لُبْسَ الْمُرَقَّعَاتِ، وَالْمَصْبَغَاتِ، وَالصُّوفِ مِنْ الْعَبَاءَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَالنَّاسُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ: مِنْهُمْ مَنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا: إمَّا لِكَوْنِهِ بِدْعَةً، وَإِمَّا لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ الدِّينِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّهُ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ وَيَمْتَنِعُ مِنْ تَرْكِهِ، وَهُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْخِرْقَةِ وَاللُّبْسَةِ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَالْفِعْلَيْنِ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ جَائِزٌ: كَلُبْسِ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَقِّعَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ لِلْحَاجَةِ، كَمَا رَقَّعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثَوْبَهُ، وَعَائِشَةُ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ السَّلَفِ، وَكَمَا لَبِسَ قَوْمٌ الصُّوفَ لِلْحَاجَةِ، وَيُلْبَسُ أَيْضًا لِلتَّوَاضُعِ وَالْمَسْكَنَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ تَرَكَ جَيِّدَ اللِّبَاسِ وَهُوَ يَقْدِرُ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَأَمَّا تَقْطِيعُ الثَّوْبِ الصَّحِيحِ وَتَرْقِيعُهُ، فَهَذَا فَسَادٌ وَشُهْرَةٌ.

وَكَذَلِكَ تَعَمُّدُ صَبْغِ الثَّوْبِ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، أَوْ حَكُّ الثَّوْبِ لِيَظْهَرَ التَّحْتَانِيُّ، أَوْ الْمُغَالَاةُ فِي الصُّوفِ الرَّفِيعِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إفْسَادُ الْمَالِ وَنَقْصُ قِيمَتِهِ أَوْ فِيهِ إظْهَارُ التَّشَبُّهِ بِلِبَاسِ أَهْلِ التَّوَاضُعِ وَالْمَسْكَنَةِ مَعَ ارْتِفَاعِ قِيمَتِهِ وَسِعْرِهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ النِّفَاقِ وَالتَّلْبِيسِ، فَهَذَانِ النَّوْعَانِ فِيهِمَا إرَادَةُ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، أَوْ الْفَسَادِ، وَالدَّارُ الْآخِرَةُ لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ النِّفَاقِ، وَأَيْضًا فَالتَّقْيِيدُ بِهَذِهِ اللُّبْسَةِ بِحَيْثُ يُكْرَهُ اللَّابِسُ غَيْرَهَا أَوْ يَكْرَهُ أَصْحَابُهُ أَنْ لَا يَلْبَسُوا غَيْرَهَا، هُوَ أَيْضًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَوِّلَ الْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ، وَسَائِرَ اللِّبَاسِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ ".

[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

ِ وَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ أَقَامَ فِي غَيْرِ بِنَاءٍ كَالْخِيَامِ، وَبُيُوتِ الشِّعْرِ وَنَحْوِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>