وَهُوَ أُخِذَ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَى الْأَزَجِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ جُمُعَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْتَقِلُونَ فَأَسْقَطَهَا عَنْهُمْ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَوْطِنِينَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يُشْتَرَطُ مَعَ إقَامَتِهِمْ فِي الْخِيَامِ وَنَحْوِهَا أَنْ يَكُونُوا يَزْرَعُونَ كَمَا يَزْرَعُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَلْزَمَ الْجُمُعَةُ مُسَافِرًا لَهُ الْقَصْرُ تَبَعًا لِلْمُقِيمِينَ، وَتَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِثَلَاثَةٍ: وَاحِدٌ يَخْطُبُ وَاثْنَانِ يَسْتَمِعَانِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ يُقَالُ بِوُجُوبِهَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ دُونَهُمْ، وَتَصِحُّ مِمَّنْ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى أَعْلَى الْفَرْضَيْنِ: كَالْمَرِيضِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ فَرْضَهُ رَكْعَتَانِ وَلَا يَكْفِي فِي الْخُطْبَةِ ذَمُّ الدُّنْيَا وَذِكْرُ الْمَوْتِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُسَمَّى الْخُطْبَةِ عُرْفًا، وَلَا تَحْصُلُ بِاخْتِصَارٍ يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَيَجِبُ فِي الْخُطْبَةِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَوْجَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَتَرَدَّدَ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ.
قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ أَنْ تَجِبَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا وَلَا تَجِبُ مُفْرَدَةً، لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَتُقَدَّمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدُّعَاءِ لِوُجُوبِ تَقْدِيمِهِ عَلَى النَّفْسِ، وَأَمَّا الْأَمْرُ بِتَقْوَى اللَّهِ فَالْوَاجِبُ أَمَّا مَعْنَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ مِنْ أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ لَفْظُ التَّقْوَى.
وَمَنْ أَوْجَبَ لَفْظَ التَّقْوَى فَقَدْ يَحْتَجُّ بِأَنَّهَا جَاءَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: ١٣١] وَلَيْسَتْ كَلِمَةٌ أَجْمَعَ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ مِنْ كَلِمَةِ التَّقْوَى، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: ٢٠٤] : أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي الْخُطْبَةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ إذَا إنَّمَا تَقُولُهَا الْعَرَبُ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، لَا فِيمَا يَحْتَمِلُ الْوُقُوعَ وَعَدَمَهُ؛ لِأَنَّ إذَا ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الزَّمَانِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الشَّرْطِ غَالِبًا وَالظَّرْفُ لِلْفِعْلِ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى الْفِعْلِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا وَالسُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute