للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ هُوَ الْخَبَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّبْتِ لَيْسَ هُوَ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ وَأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ اللَّهِ لَيْسَ هُوَ الْخَبَرَ عَنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا حَقِيقَةً وَاحِدَةً وَجَعَلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إنَّمَا هِيَ صِفَاتٌ عَارِضَةٌ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْعَيْنِيَّةِ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ أَقْسَامًا لِلْكَلَامِ الْكُلِّيِّ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ كُلِّيًّا، إذْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ كَلَامٌ هُوَ أَمْرٌ بِالْحَجِّ وَهُوَ بِعَيْنِهِ خَبَرٌ عَنْ جَهَنَّمَ كَمَا لَيْسَ فِي الْخَارِجِ إنْسَانٌ هُوَ بِعَيْنِهِ فَضِيلٌ وَإِنْ شَمِلَهُمَا اسْمُ الْحَيَوَانِ كَمَا شَمِلَ ذَيْنِك اسْمُ الْكَلَامِ فَمَنْ جَعَلَ الْحَقَائِقَ الْمُتَنَوِّعَةَ شَيْئًا وَاحِدًا فَهُوَ يُشْبِهُ مَنْ جَعَلَ الْمَكَانَيْنِ مَكَانًا وَاحِدًا حَتَّى جَعَلَ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ، وَيَقُولُ إنَّمَا هُمَا مَكَانٌ وَاحِدٌ أَوْ لَا يَجْعَلُ الْوَاحِدَ نِصْفَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ يَقُولُ الِاثْنَانِ هُمَا وَاحِدٌ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَهُوَ رَفْعُ التَّعَدُّدِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ وَجَعْلُهَا شَيْئًا وَاحِدًا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ بِالْعَيْنِ لَا بِالنَّوْعِ.

وَهَؤُلَاءِ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ الْكَلَامَ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ هُوَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ الْعِبَادُ وَالْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَؤُهُ زَيْدٌ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَمْرٌو، وَيَقُولُونَ بَلْ هُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هُنَاكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ مُتَّحِدٌ بِالْعَيْنِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَبَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّحَادِ الشَّرْعِيِّ وَاتِّبَاعِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَا لَيْسَ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْبَعِيدَةِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ إلَّا فِي الْجِنْسِ الْعَامِّ الَّذِي لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ عَامًّا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِالْعَيْنِ، وَمَا هُنَاكَ مِنْ التَّعَدُّدِ فَأَحَدُهُمَا تَابِعٌ لِلْآخَرِ فَهُمَا مُتَّحِدَانِ مِنْ وَجْهٍ مُتَغَايِرَانِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ اتِّحَادَ الْحَقَائِقِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ كُلُّ عَاقِلٍ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَهُنَاكَ اتَّفَقَ الْخَلَائِقُ عَلَى أَنْ يُشِيرُوا إلَى مَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ الْمُبَلِّغِينَ وَيَقُولُونَ هَذَا كَلَامُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، فَهَذَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعِبَادِ الَّذِي تُطَمْئِنُ إلَيْهِ الْقُلُوبُ وَجَاءَتْ بِإِطْلَاقِهِ النُّصُوصُ أَنْكَرُوهُ، وَذَاكَ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ فَلَمْ يُطْلِقْهُ نَصٌّ وَلَا قَالَهُ إمَامٌ وَلَا تَصَوَّرَهُ أَحَدٌ إلَّا عَلِمَ فَسَادَهُ بِالْبَدِيهَةِ قَالُوهُ وَجَعَلُوهُ هُوَ أَصْلَ الدِّينِ.

[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ إذَا جَاءَ أَنْ تَجْعَلُوا هَذِهِ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ حَقِيقَةً وَاحِدَةً]

ً سَوَاءٌ قُلْتُمْ بِثُبُوتِ الْحَالِ أَوْ نَفْيِهِ وَأَنَّ كَوْنَهَا أَمْرًا وَنَهْيًا وَخَبَرًا وَأَمْرًا بِكَذَا وَنَهْيًا عَنْ كَذَا إنَّمَا هِيَ أُمُورٌ نِسْبِيَّةٌ لَهَا كَتَسْمِيَةِ الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ عَرَبِيًّا وَعَجَمِيًّا، وَلِهَذَا تَنَازَعَ ابْنُ كِلَابٍ وَالْأَشْعَرِيُّ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخِطَابِ، هَلْ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>