الْمُبَلِّغِ عَنْهُ، كَانَ ظُهُورُ هَذَا الْفَرْقِ فِي سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ مِنْ الْمُبَلِّغِينَ عَنْهُ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْإِطْنَابِ.
وَقَدْ بَيَّنَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ فِي كِتَابِهِ خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ صَوْتِ اللَّهِ الْمَسْمُوعِ مِنْهُ؛ وَصَوْتِ الْعِبَادِ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مَا لَا يُخَالِفُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ الْعُقُولِ وَالدِّينِ.
[فَصْلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ]
فَصْلٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: ٤٠] .
فَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ.
فَقَالَ فِي الْحَاقَّةِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة: ٤٠] {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: ٤١] {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: ٤٢] .
فَالرَّسُولُ هُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ فِي التَّكْوِيرِ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [التكوير: ١٩] {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: ٢٠] {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: ٢١] {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ - وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: ٢٢ - ٢٣] .
فَالرَّسُولُ هُنَا جِبْرِيلُ فَأَضَافَهُ إلَى الرَّسُولِ مِنْ الْبَشَرِ تَارَةً، وَإِلَى الرَّسُولِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ تَارَةً، بِاسْمِ الرَّسُولِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ لَقَوْلُ مَلَكٍ، وَلَا نَبِيٍّ، لِأَنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ غَيْرِهِ، لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور: ٥٤] ، فَكَانَ قَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ} [الحاقة: ٤٠] بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَتَبْلِيغُ رَسُولٍ، أَوْ مُبَلَّغٌ مِنْ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَنْشَأَهُ أَوْ أَحْدَثَهُ أَوْ أَنْشَأَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ أَحْدَثَهُ رَسُولٌ كَرِيمٌ، إذْ لَوْ كَانَ مُنْشِئًا لَمْ يَكُنْ رَسُولًا فِيمَا أَنْشَأَهُ وَابْتَدَأَهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْقُرْآنِ مُطْلَقًا.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الرَّسُولَيْنِ أَنْشَأَ حُرُوفَهُ وَنَظَمَهُ؛ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ الْآخَرُ هُوَ الْمُنْشِئُ الْمُؤَلِّفُ لَهَا؛ فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ إضَافَتُهُ إلَى الرَّسُولِ هُنَا لِأَجْلِ إحْدَاثِ لَفْظِهِ وَنَظْمِهِ.
وَلَوْ جَازَ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ هُنَا لِأَجْلِ إحْدَاثِ الرَّسُولِ لَهُ أَوْ لِشَيْءٍ مِنْهُ لَجَازَ أَنْ نَقُولَ إنَّهُ قَوْلُ الْبَشَرِ، وَهَذَا قَوْلُ الْوَحِيدِ الَّذِي أَصْلَاهُ اللَّهُ سَقَرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute