وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ لَك مِنْ صَلَاتِك إلَّا مَا عَقَلْت مِنْهَا، وَلَكِنْ هَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيُوجِبُ الْإِعَادَةَ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ. فَإِنَّهُ إنْ كَانَتْ الْغَفْلَةُ فِي الصَّلَاةِ أَقَلَّ مِنْ الْحُضُورِ، وَالْغَالِبُ الْحُضُورُ، لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ نَاقِصًا، فَإِنَّ النُّصُوصَ قَدْ تَوَاتَرَتْ بِأَنَّ السَّهْوَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَإِنَّمَا يُجْبِرُ بَعْضُهُ بِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ، وَأَمَّا إنْ غَلَبَتْ الْغَفْلَةُ عَلَى الْحُضُورِ، فَفِيهِ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْبَاطِنِ، وَإِنْ صَحَّتْ فِي الظَّاهِرِ، كَحَقْنِ الدَّمِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ لَمْ يَحْصُلْ، فَهُوَ شَبِيهُ صَلَاةِ الْمُرَائِي، فَإِنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ لَا يَبْرَأُ بِهَا فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَالثَّانِي: تَبْرَأُ الذِّمَّةُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا، وَلَا ثَوَابَ، بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ الَّذِي لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ.
وَهَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الشَّيْطَانَ يُذَكِّرُهُ بِأُمُورٍ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، وَأَمَرَهُ بِسَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ وَأَعْدَلُ؛ فَإِنَّ النُّصُوصَ وَالْآثَارَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ مَشْرُوطٌ بِالْحُضُورِ، لَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُصَلِّي إذَا أَحْدَثَ قَبْلَ السَّلَامِ]
١٨٦ - ١٠٢ مَسْأَلَةٌ:
فِيمَا إذَا أَحْدَثَ الْمُصَلِّي قَبْلَ السَّلَامِ؟
الْجَوَابُ: إذَا أَحْدَثَ الْمُصَلِّي قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ، مَكْتُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَكْتُوبَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ]
١٨٧ - ١٠٣ مَسْأَلَةٌ: فِي رَجُلٍ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ. فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute