وَهَارُونَ: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٩] وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَدْعُو، وَالْآخَرُ يُؤَمِّنُ. وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ مُؤَمِّنًا عَلَى دُعَاءِ الْإِمَامِ، فَيَدْعُو بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، كَمَا فِي دُعَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي قَوْلِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] فَإِنَّ الْمَأْمُومَ إنَّمَا أَمَّنَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَدْعُو لَهُمَا جَمِيعًا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ خَانَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ.
فَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَدْعُو فِيهَا كُلُّ إنْسَانٍ لِنَفْسِهِ كَالِاسْتِفْتَاحِ، وَمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكَمَا أَنَّ الْمَأْمُومَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ، فَالْإِمَامُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ، كَمَا يُسَبِّحُ الْمَأْمُومُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، إذَا سَبَّحَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَكَمَا يَتَشَهَّدُ إذَا تَشَهَّدَ، وَيُكَبِّرُ إذَا كَبَّرَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْمَأْمُومُ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُفَرِّطُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا صَرِيحًا مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ الْمُسْتَفِيضَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَلِعَمَلِ الْأُمَّةِ، وَالْأَئِمَّةِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، فَكَيْفَ وَلَيْسَ مِنْ الصَّحِيحِ، وَلَكِنْ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ حَسَنٌ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ لَكَانَ عَامًّا، وَتِلْكَ خَاصَّةٌ، وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ. ثُمَّ لَفْظُهُ «فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ» يُرَادُ بِمِثْلِ هَذَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ دُعَاءٌ، وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَ تَأْمِينِهِمْ. وَأَمَّا مَعَ كَوْنِهِمْ مُؤَمِّنِينَ عَلَى الدُّعَاءِ كُلَّمَا دَعَا، فَيَحْصُلُ لَهُمْ كَمَا حَصَلَ لَهُ بِفِعْلِهِمْ، وَلِهَذَا جَاءَ دُعَاءُ الْقُنُوتِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ: «اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك، وَنَسْتَهْدِيك» إلَى آخِرِهِ. فَفِي مِثْلِ هَذَا يَأْتِي بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَيَتْبَعُ السُّنَّةَ عَلَى وَجْهِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ]
٢١٠ - ١٢٦ مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ: هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ بِدْعَةٌ؟ وَذَكَرُوا أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ صَلَّاهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَتَمَّمَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ؟ .
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. السُّنَّةُ فِي التَّرَاوِيحِ أَنْ تُصَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ. وَالنَّقْلُ الْمَذْكُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَاطِلٌ؛ فَمَا كَانَ الْأَئِمَّةُ يُصَلُّونَهَا إلَّا بَعْدَ الْعِشَاءِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَعَلَى ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ، لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ تَعَمَّدَ صَلَاتَهَا قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute