للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَغْنَى الْمُسْلِمِينَ بِنَبِيِّهِمْ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: ١٥٧] . أَيْ يُخَلِّصُهُمْ مِنْ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ؛ وَمِنْ الدُّخُولِ فِي مُنْكَرَاتِ أَهْلِ الْحِيَلِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ التَّعْلِيق الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ إيقَاعُ الطَّلَاق وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ]

فَصْلٌ

فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِيقَاعُ وَاَلَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ: فَالْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلْجَزَاءِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مَكْرُوهًا لَهُ، لَكِنَّهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الطَّلَاقَ؛ لِكَوْنِ الشَّرْطِ أَكْرَهَ إلَيْهِ مِنْ الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُ طَلَاقَهَا، وَيَكْرَهُ الشَّرْطَ، لَكِنْ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ طَلَاقَهَا: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لِلتَّزَوُّجِ بِامْرَأَةٍ بَغِيٍّ أَوْ فَاجِرَةٍ أَوْ خَائِنَةٍ أَوْ هُوَ لَا يَخْتَارُ طَلَاقَهَا؛ لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ هَذِهِ الْأُمُورَ: اخْتَارَ طَلَاقَهَا؛ فَيَقُولُ إنْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت أَوْ خُنْت فَأَنْتِ طَالِقٌ.

وَمُرَادُهُ إذَا فَعَلْت ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا: إمَّا عُقُوبَةً لَهَا؛ وَإِمَّا كَرَاهَةً لِمَقَامِهِ مَعَهَا عَلَى هَذَا الْحَالِ: فَهَذَا مُوقِعٌ لِلطَّلَاقِ عِنْدَ الصِّفَةِ، لَا حَالِفٌ، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي مِثْلِ هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ: كَابْنِ مَسْعُودٍ؛ وَابْنِ عُمَرَ؛ وَعَنْ التَّابِعِينَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ؛ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ قَالَ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ؛ وَلَكِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ.

وَهَذَا لَيْسَ بِحَالِفٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْيَمِينِ الْمُكَفِّرَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ سَمَّى هَذَا حَالِفًا، كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مُعَلِّقٍ حَالِفًا؛ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي كُلَّ مُنَجِّزٍ لِلطَّلَاقِ حَالِفًا. وَهَذِهِ الِاصْطِلَاحَاتُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي اللُّغَةِ؛ وَلَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَلَا كَلَامِ الصَّحَابَةِ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَلِكَ يَمِينًا لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمِينِ. مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَ الْمُسَمَّى. وَهُوَ ظَنُّهُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْدَ الصِّفَةِ.

وَأَمَّا التَّعْلِيقُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْيَمِينُ فَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَاهُ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنَاهُ: صِيغَةُ الْقَسَمِ.

وَهَذَا الْقَسَمُ إذَا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزَاءِ فَإِنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ كَارِهًا لِلْجَزَاءِ؛ وَهُوَ أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ: فَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>