تُنَاسِبُ وَحْدَةَ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ كَوَحْدَةِ الْأَجْسَامِ، وَلَيْسَ عِنْدَكُمْ فِي الشَّاهِدِ مَا هُوَ وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا الْجَوْهَرَ الْفَرْدَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ فَقَوْلُكُمْ بَعْدَ هَذَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ الصَّوْتَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْمَحِلِّ الْوَاحِدِ وَقْتًا وَاحِدًا كَمَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُ اللَّوْنَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَا وَاحِدَ يُفْرَضُ ذَلِكَ فِيهِ شَاهِدًا إلَّا الْجِسْمَ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِ الْجِسْمِ وَاحِدًا فَيُقَالُ هَبْ أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَقْبَلُ اجْتِمَاعَ صَوْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا لَا يَقْبَلُ مَعْنًى وَاحِدًا يَكُونُ أَمْرًا وَنَهْيًا وَخَبَرًا وَاسْتِخْبَارًا، فَهَلَّا قُلْتُمْ إنَّ الْوَاحِدَ الَّذِي لَيْسَ بِجِسْمٍ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ أَصْوَاتٍ فِيهِ كَمَا قُلْتُمْ إنَّهُ يَقُومُ بِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ حَقَائِقُ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَمَّا قِيلَ لَكُمْ كَيْفَ يُعْقَلُ هَذَا قُلْتُمْ يُعْقَلُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ الْوَاجِبِ لِقِدَمِهِ الْمَانِعِ مِنْ كَوْنِهِ مُتَغَايِرًا مُخْتَلِفًا كَمَا يُعْقَلُ مُتَكَلِّمٌ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى قِدَمِ الْكَلَامِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَعَانِي وَالْحُرُوفِ وَإِنَّمَا فَرَّقْتُمْ لِمُعَارِضٍ، أَخْرَجَ الْحُرُوفَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَا اعْتَقَدْتُمُوهُ مِنْ وُجُوبِ حُدُوثِهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ هُنَا، وَهَذَا الدَّلِيلُ يَلْزَمُ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمَعَانِي، فَلَوْ قُلْتُمْ نَعْقِلُ حُرُوفًا مُجْتَمِعَةً أَوْ أَصْوَاتٍ مُجْتَمِعَةً فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ إذْ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ لَيْسَ بِذِي أَبْعَاضٍ حَتَّى يَكُونَ الْقَائِمُ بِهَذَا الْبَعْضِ مُغَايِرًا لِلْقَائِمِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْمُغَايَرَةُ فِيمَا قَامَ بِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَقُومَ بِهِ الصَّوْتُ الَّذِي هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ أَصْوَاتٌ إذْ الِاخْتِلَافُ فَرْعٌ لِلتَّغَايُرِ، فَمَا لَا تَغَايُرَ فِيهِ يَمْتَنِعُ الِاخْتِلَافُ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ مَا يَقُومُ بِهِ لَا يُغَايِرُ فَأَنْ لَا يَخْتَلِفَ أَوْلَى وَأَحْرَى فَفُرِضَ قِيَامُ صَوْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِهِ وَالْحَالُ هَذِهِ يَمْتَنِعُ عَلَى مَا أَصَّلْتُمُوهُ.
[الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ اجْتِمَاعَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالرُّؤْيَةِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا]
الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: إنَّ اجْتِمَاعَ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ وَالرُّؤْيَةِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّنَا، وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِهِ وَسَمْعُهُ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَثْبَتُّمْ الْبَارِيَ يَعْلَمُ الْمَوْجُودَاتِ وَيَرَاهَا، وَالْعِلْمُ وَالرُّؤْيَةُ قَائِمَانِ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ عِنْدَكُمْ، وَأَيْضًا فَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَالْقَاضِي وَسَائِرِ أَئِمَّتِهِمْ أَوْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالصِّفَاتُ قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَنْقَسِمُ كَقِيَامِ الْعِلْمِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قِيَامَ الْقُدْرَةِ وَالْيَدَيْنِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ عِنْدَنَا. بَلْ عِنْدَنَا أَنَّ الْيَدَيْنِ مَحِلُّ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا أَثْبَتُّمْ يَدًا وَوَجْهًا وَصَفْتُمُوهُمَا بِذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ثُبُوتِ حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ وَيُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الْأَعْرَاضِ الْقَائِمَةِ بِالْمَخْلُوقِينَ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِحُكْمِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute