وَقَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩] قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ: إضَاعَتُهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْوَيْلَ لِمَنْ أَضَاعَهَا وَإِنْ صَلَّاهَا. وَمِنْ كَانَ لَهُ الْوَيْلُ لَمْ يَكُنْ قَدْ يُقْبَلُ عَمَلُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ ذُنُوبٌ أُخَرُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ فِي نَفْسِ الْعَمَلِ لَمْ يُتَقَبَّلْ ذَلِكَ الْعَمَلُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فِي وَصِيَّتِهِ لِعُمَرَ: وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَحَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّافِلَةَ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ تَارِك الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ]
٩٣ - ٩ مَسْأَلَةٌ:
عَنْ تَارِكِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ؟
أَجَابَ: أَمَّا تَارِكُ الصَّلَاةِ. فَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا فَهُوَ كَافِرٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ، أَوْ وُجُوبَ بَعْضِ أَرْكَانِهَا: مِثْلَ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ، فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ أَوْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَنَابَةِ فَلَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ، إذَا لَمْ يَعْلَمْ.
لَكِنْ إذَا عَلِمَ الْوُجُوبَ: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا قِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْأَصْلِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ فِيمَنْ صَلَّى فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالنَّهْيِ، ثُمَّ عَلِمَ، هَلْ يُعِيدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالنَّهْيِ، ثُمَّ عَلِمَ، هَلْ يُعِيدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ.
وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ: إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاهِلًا بِوُجُوبِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دُونَ دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالصَّائِمُ إذَا فَعَلَ مَا يُفْطِرُ بِهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ: فَهَلْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَكَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ مَحْظُورًا [فِي] الْحَجِّ جَاهِلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute