الْوَاقِفِ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ فَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ، كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِ
مَصْلَحَةٌ
شَرْعِيَّةٌ. فَشَرْطٌ بَاطِلٌ وَمَتَى نَقَصُوا مِنْ الْمَشْرُوطِ لَهُمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْقُصُوا مِنْ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ أَوْقَفَ رِبَاطًا وَجَعَلَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ]
٨٥٩ - ١٨ مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ أَوْقَفَ رِبَاطًا؛ وَجَعَلَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ؛ وَجَعَلَ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَكْفِيهِمْ؛ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ: مِنْهَا أَنْ يَجْتَمِعُوا فِي وَقْتَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ مِنْ النَّهَارِ؛ فَيَقْرَءُونَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَوْقَفَهُ لَا فِي غَيْرِهِ؛ مُجْتَمِعِينَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُتَفَرِّقِينَ؛ وَشَرَطَ أَنْ يُهْدُوا لَهُ ثَوَابَ التِّلَاوَةِ؛ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَوْقَفَهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا جُعِلَ لَهُ. فَهَلْ جَمِيعُ الشُّرُوطِ لَازِمَةٌ لِمَنْ أَخَذَ الْمَعْلُومَ؟ أَمْ بَعْضُهَا؟ أَمْ لَا أَثَرَ لِجَمِيعِهَا؟ وَهَلْ إذَا لَزِمَتْ الْقِرَاءَةُ. فَهَلْ يَلْزَمُ جَمِيعُ مَا شَرَطَهُ مِنْهَا؟ أَمْ يَقْرَءُونَ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُهْدُوا شَيْئًا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. الْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ كُلَّ مَا شُرِطَ مِنْ الْعَمَلِ مِنْ الْوُقُوفِ الَّتِي تُوقَفُ عَلَى الْأَعْمَالِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً؛ إمَّا وَاجِبًا؛ وَإِمَّا مُسْتَحَبًّا وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ فَلَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ؛ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ. كَالشُّرُوطِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ نُصُوصٌ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ، فَمُرَادُهُ أَنَّهَا كَالنُّصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُرَادِ الْوَاقِفِ؛ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا: أَيْ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ يُسْتَفَادُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الْمَشْرُوطَةِ؛ كَمَا يُسْتَفَادُ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْ أَلْفَاظِهِ؛ فَكَمَا يُعْرَفُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ وَالتَّشْرِيكُ وَالتَّرْتِيبُ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّارِعِ. فَكَذَلِكَ تُعْرَفُ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ.
مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَلَفْظَ الْحَالِفِ وَالشَّافِعِ وَالْمُوصِي وَكُلِّ عَاقِدٍ يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا؛ سَوَاءٌ وَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ الْعَرْبَاءَ؛ أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمُوَلَّدَةَ؛ أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمَلْحُونَةَ؛ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute