أَنَّ فِي كُلِّ غَائِبٍ طَلَبَ إقْرَارَهُ أَوْ إنْكَارَهُ إذَا لَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فَمِنْ الْمُمْكِنِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ بَلْ يَقُولُ أَرْسِلُوا إلَى مَنْ يُعْلِمُنِي بِمَا يَدَّعِي بِهِ عَلَيَّ، وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ لِلْقَاضِي مِنْ رَسُولٍ إلَى الْخَصْمِ يُبَلِّغُهُ الدَّعْوَى بِحُضُورِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ رَسُولٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمِ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَرَدُّ الْجَوَابِ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِالْمُرَاسَلَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحُضُورِ لَا يَجُوزُ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ تَرَاخِيًا كَثِيرًا فَفِي الدَّعْوَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لِأَنَّهُ نَائِبُ الْحَاكِمِ كَمَا كَانَ أُنَيْسٌ نَائِبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ سَمَاعِ الِاعْتِرَافِ أَوْ يَخْرُجَ عَلَى الْمُرَاسَلَةِ مِنْ الْحَاكِمِ إلَى الْحَاكِمِ، وَفِيهِ رِوَايَتُنَا فَيَنْظُرُ فِي قَضِيَّتِهِ خَبِيرًا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فَمَا وَجَدْت إلَّا وَاحِدًا، ثُمَّ وَجَدْت هَذَا مَنْصُوصًا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ قَامَ بَيِّنَةٌ بِالْعَيْنِ الْمُودَعَةِ عِنْدَ رَجُلٍ سُلِّمَتْ إلَيْهِ وَقَضَى عَلَى الْغَائِبِ قَالَ: وَمَنْ قَالَ بِغَيْرِ هَذَا يَقُولُ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ بِقَدْرِ مَا يَذْهَبُ لِلْكِتَابِ وَيَجِيءُ فَإِنْ جَاءَ وَإِلَّا أَخَذَ الْغُلَامَ الْمُودَعَ وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ تَخْيِيرَ الْحَاكِمِ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى الْغَائِبِ، وَبَيْنَ أَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْجَوَابِ.
[بَابُ الْحُكْمِ وَصِفَتُهُ]
ُ وَمَسْأَلَةُ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَفُرُوعِهَا ضَعِيفَةٌ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ فِي دَعْوَاهُ عَلَى الْآخَرِ أَرْضًا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، وَإِذَا قِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَةً فَالْوَاجِبُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى مُجْمَلًا اسْتَفْصَلَهُ الْحَاكِمُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ صِحَّةُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُهِمِّ كَدَعْوَى الْأَنْصَارِ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ وَدَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى بَنِي أُبَيْرِقَ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ الْمُبْهَمُ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا وَقَدْ يَنْحَصِرُ فِي قَوْمٍ كَقَوْلِهَا أَنْكِحْنِي أَحَدَهُمَا وَزَوِّجْنِي أَحَدَهُمَا، وَالثُّبُوتُ الْمَحْضُ يَصِحُّ بِلَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ.
وَسَمِعْت الدَّعْوَى فِي الْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ هَهُنَا عَنْ أَحْمَدَ وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ وَتُسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِيلَادِ وَقَالَهُ أَصْحَابُنَا وَفَسَّرَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ فَتُنْكِرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute