للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى تَطِيبَ كَانَتْ حَلَالًا: بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي لَبَنِهَا، وَبِيضِهَا، وَعِرْقِهَا، فَيَظْهَرُ نَتْنُ النَّجَاسَةِ وَخَبَثُهَا، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ عَادَتْ طَاهِرَةً، فَإِنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، وَالشَّعْرُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ آثَارِ النَّجَاسَةِ أَصْلًا، فَلَمْ يَكُنْ لِتَنْجِيسِهِ مَعْنًى، وَهَذَا يَتَبَيَّنُ بِالْكَلَامِ فِي شُعُورِ الْمَيْتَةِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَكُلُّ حَيَوَانٍ قِيلَ بِنَجَاسَتِهِ، فَالْكَلَامُ فِي شَعْرِهِ وَرِيشِهِ كَالْكَلَامِ فِي شَعْرِ الْكَلْبِ، فَإِذَا قِيلَ بِنَجَاسَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ، إلَّا الْهِرَّ وَمَا دُونَهَا فِي الْخِلْقَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ: عُلَمَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي رِيشِ ذَلِكَ وَشَعْرِهِ فِيهِ هَذَا النِّزَاعُ، هَلْ هُوَ نَجَسٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. إحْدَاهُمَا: إنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: إنَّهُ نَجَسٌ، كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ كَثِيرٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَأَيْضًا «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالْمَاشِيَةِ، وَالْحَرْثِ» ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ اقْتَنَاهَا أَنْ يُصِيبَهُ رُطُوبَةُ شُعُورِهَا، كَمَا يُصِيبُهُمْ رُطُوبَةُ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ بِنَجَاسَةِ شُعُورِهَا، وَالْحَالُ هَذِهِ مِنْ الْحَرَجِ الْمَرْفُوعِ عَنْ الْأُمَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ لُعَابَ الْكَلْبِ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا بِغَسْلِ ذَلِكَ، فَقَدْ عَفَا عَنْ الْكَلْبِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، وَأَمَرَ بِغَسْلِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحَاجَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ

الشَّارِعَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ وَحَاجَتَهُمْ

، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ عَظْم الْمَيْتَةِ وَقَرْنهَا وَظُفُرهَا وَرِيشهَا]

٣٣ - ١٧ - مَسْأَلَةٌ:

فِي عَظْمِ الْمَيْتَةِ، وَقَرْنِهَا وَظُفُرِهَا، وَرِيشِهَا: هَلْ هُوَ طَاهِرٌ، أَمْ نَجَسٌ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>