للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف: ٩٥] .

وَقَالَ: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: ١١] .

وَقَالَ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} [الشعراء: ٧٥] {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} [الشعراء: ٧٦] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] لَمْ يَقُلْ (جَعَلْنَاهُ) فَقَطْ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ بِمَعْنَى خَلَقْنَاهُ وَلَكِنْ قَالَ: {جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] ، أَيْ صَيَّرْنَاهُ عَرَبِيًّا، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُنَزِّلَهُ عَجَمِيًّا وَيُنَزِّلَهُ عَرَبِيًّا، فَلَمَّا أَنْزَلَهُ عَرَبِيًّا، كَانَ قَدْ جَعَلَهُ عَرَبِيًّا دُونَ عَجَمِيٍّ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي فَارَقُوا بِهَا الْجَهْمِيَّةَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا فَقَالَ لَهُ آخَرُ بَلْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا]

١٠٢٧ - ٣ مَسْأَلَةٌ:

فِيمَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسًى تَكْلِيمًا، فَقَالَ لَهُ آخَرُ: بَلْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَقَالَ: إنْ قُلْت كَلَّمَهُ، فَالْكَلَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، وَالْحَرْفُ وَالصَّوْتُ مُحْدَثٌ، وَمَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَا قَالَ أَمْ لَا؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا، فَهَذَا إنْ كَانَ لَمْ يَسْمَعْ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ أَنَّ هَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ، فَإِنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ كَانَ كَلَامُهُ بَعْدَ أَنْ يَجْحَدَ نَصَّ الْقُرْآنِ.

بَلْ لَوْ قَالَ: إنَّ مَعْنَى كَلَامِي أَنَّهُ خَلَقَ صَوْتًا فِي الْهَوَاءِ فَأَسْمَعَهُ مُوسَى، كَانَ كَلَامُهُ أَيْضًا كُفْرًا، وَهُوَ قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ كَفَّرَهُمْ السَّلَفُ وَقَالُوا يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا، لَكِنَّ مَنْ كَانَ مُوقِنًا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يُبَيِّنُ لَهُ الصَّوَابَ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَفَرَ، إذْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُخْطِئُ فِيمَا يَتَأَوَّلُهُ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَجْهَلُ كَثِيرًا مِمَّا يَرِدُ مِنْ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>