للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْكُفْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْبَيَانِ.

وَالْأَئِمَّةُ الَّذِينَ أَمَرُوا بِقَتْلِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ، وَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، قِيلَ إنَّهُمْ أَمَرُوا بِقَتْلِهِمْ لِكُفْرِهِمْ، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ إذَا دَعَوْا النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِمْ أَضَلُّوا النَّاسَ، فَقُتِلُوا لِأَجْلِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَحِفْظًا لِدِينِ النَّاسِ أَنْ يُضِلُّوهُمْ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ مِنْ شَرِّ طَوَائِفِ أَهْلِ الْبِدَعِ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ كَثِيرٌ عَنْ الثِّنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَمِنْ الْجَهْمِيَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، وَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ مَخْلُوقٍ خَلَقَهُ فِي الْهَوَاءِ، وَإِنَّهُ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ لَيْسَ مُبَايِنًا لِخَلْقِهِ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْمَقَالَاتِ الَّتِي تَسْتَلْزِمُ تَعْطِيلَ الْخَالِقِ، وَتَكْذِيبَ رُسُلِهِ، وَإِبْطَالَ دِينِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ: إنْ قُلْت: كَلَّمَهُ، فَالْكَلَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، وَالْحَرْفُ وَالصَّوْتُ مُحْدَثٌ، وَمَنْ قَالَ إنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ فَهُوَ كَافِرٌ.

فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُلْحِدِ: أَنْتَ تَقُولُ إنَّهُ كَلَّمَهُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ لَكِنْ تَقُولُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ خَلَقَهُ فِي الْهَوَاءِ، وَتَقُولُ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُومَ بِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ، لِأَنَّهَا لَا تَقُومُ إلَّا بِمُتَحَيِّزٍ، وَالْبَارِي لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُتَحَيِّزٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ جَحَدَ مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ أَوْلَى بِالْكُفْرِ مِمَّنْ أَقَرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

وَإِنْ قَالَ الْجَاحِدُ لِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: إنَّ الْعَقْلَ مَعَهُ، قَالَ لَهُ الْمُوَافِقُ لِلنُّصُوصِ: بَلْ الْعَقْلُ مَعِي، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهَذَا يَقُولُ إنَّ مَعَهُ السَّمْعُ وَالْعَقْلُ، وَقَالَ إنَّمَا يُحْتَجُّ لِقَوْلِهِ بِمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْعَقْلِ الَّذِي يُبَيِّنُ مُنَازَعَةَ فَسَادِهِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْعَقْلَ مَعَهُ، وَالْكُفْرُ هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا عُلِمَ بِنَظَرِ الْعَقْلِ يَكُونُ كَافِرًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ جَحَدَ بَعْضَ صَرَائِحِ الْعُقُولِ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ، حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ كُفْرًا فِي الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا مَنْ خَالَفَ مَا عُلِمَ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِلَا نِزَاعٍ.

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>