للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِخْبَارُ عَنْ اللَّهِ بِأَنَّهُ مُتَحَيِّزٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ، وَلَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا أَوْ هَذَا يَكْفُرُ، وَهَذَا اللَّفْظُ مُبْتَدَعٌ، وَالْكُفْرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمُجَرَّدِ أَسْمَاءٍ مُبْتَدَعَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ يُسْتَفْسَرُ هَذَا الْقَائِلُ إذَا قَالَ إنَّ اللَّهَ مُتَحَيِّزٌ أَوْ لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ، فَإِنْ قَالَ أَعْنِي بِقَوْلِي إنَّهُ مُتَحَيِّزٌ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ، قَدْ حَازَتْهُ وَأَحَاطَتْ بِهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ، وَإِنْ قَالَ أَعْنِي بِهِ أَنَّهُ مُنْحَازٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ مُبَايِنٌ لَهَا فَهَذَا حَقٌّ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَيْسَ بِمُتَحَيِّزٍ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَحُوزُ الْخَالِقَ فَقَدْ أَصَابَ، وَإِنْ قَالَ إنَّ الْخَالِقَ لَا يُبَايِنُ الْمَخْلُوقَ وَيَنْفَصِلُ عَنْهُ، فَقَدْ أَخْطَأَ.

وَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ، فَالنَّاسُ فِي الْجَوَابِ عَنْ حُجَّتِهِ الدَّاحِضَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ لَوْ قُلْت إنَّهُ كَلَّمَهُ فَالْكَلَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، وَالْحَرْفُ وَالصَّوْتُ مُحْدَثٌ.

ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مَنَعُوهُ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى.

وَصِنْفٌ مَنَعُوهُ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ.

وَصِنْفٌ لَمْ يَمْنَعُوهُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ.

بَلْ اسْتَفْسَرُوهُ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ كَلَّمَ مُوسَى تَكْلِيمًا.

فَالصِّنْفُ الْأَوَّلُ: أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كِلَابٍ وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ اتَّبَعَهُمَا قَالُوا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ.

بَلْ الْكَلَامَ مَعْنَى قَائِمٌ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ.

وَالْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ، وَالْخَبَرَ عَنْ كُلِّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ.

وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ كَانَ إنْجِيلًا.

وَقَالُوا: إنَّ اسْمَ الْكَلَامِ حَقِيقَةٌ فَيَكُونُ اسْمُ الْكَلَامِ مُشْتَرَكًا أَوْ مَجَازًا فِي كَلَامِ الْخَالِقِ وَحَقِيقَةً فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِ.

وَالصِّنْفُ الثَّانِي: سَلَّمُوا لَهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ.

وَمَنَعُوهُمْ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ أَنَّ الْحَرْفَ وَالصَّوْتَ لَا يَكُونُ إلَّا مُحْدَثًا.

وَصِنْفٌ قَالُوا إنَّ الْمُحْدَثَ كَالْحَادِثِ سَوَاءٌ كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ بِكَلَامٍ لَا يَكُونُ إلَّا قَدِيمًا.

وَهُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ.

وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ قَدِيمٌ وَهُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ وَأَتْبَاعِهِ السَّالِمِيَّةِ وَطَوَائِفَ مِمَّنْ اتَّبَعَهُ.

وَقَالَ هُوَ لَا فِي الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ.

نَظِيرُ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ فِي الْمَعَانِي.

وَقَالُوا كَلَامٌ لَا بِحَرْفٍ وَلَا بِصَوْتٍ لَا يُعْقَلُ.

وَمَعْنَى أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وَنَهْيًا وَخَبَرًا مُمْتَنِعٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ.

وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَاحِدٌ.

وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>