الدَّالَّةُ عَلَيْهِ، فَقَوْلٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالِاضْطِرَارِ عَقْلًا وَشَرْعًا.
وَإِخْرَاجُ الْحُرُوفِ عَنْ مُسَمَّى الْكَلَامِ مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ جَمِيعِ اللُّغَاتِ.
وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُرُوفَ وَالْأَصْوَاتَ الْمَخْلُوقَةَ فِي غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ حَقِيقَةٌ، أَمْكَنَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ مَخْلُوقٍ فِي غَيْرِهِ، قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ الْأَوَّلِينَ: إذَا قُلْتُمْ إنَّ الْكَلَامَ هُوَ مُجَرَّدُ الْمَعْنَى وَقَدْ خُلِقَ عِبَارَةً.
فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ كَلَامٌ حَقِيقَةً.
بَطَلَتْ حُجَّتُكُمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ.
فَإِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِكُمْ عَلَيْهِمْ قَوْلُكُمْ: إنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامٍ يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعْلَمَ بِعِلْمٍ قَائِمٍ بِغَيْرِهِ.
وَأَنْ يَقْدِرَ بِقُدْرَةٍ قَائِمَةٍ بِغَيْرِهِ.
وَأَنْ يُرِيدَ بِإِرَادَةٍ قَائِمَةٍ بِغَيْرِهِ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ كَلَامٌ مَجَازًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى.
مَجَازًا فِي اللَّفْظِ.
وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ فَسَادُهُ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ جَمِيعِ اللُّغَاتِ.
وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: الَّذِينَ لَمْ يَمْنَعُوا الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَلَكِنْ اسْتَفْسَرُوهُمْ وَبَيَّنُوا أَنَّ هَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ قَوْلِكُمْ، بَلْ قَالُوا إنْ قُلْتُمْ إنَّ الْحَرْفَ وَالصَّوْتَ مُحْدَثٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِكُمْ وَتَنَاقُضِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَدِيمًا.
فَهَذَا مُسَلَّمٌ لَكُمْ، لَكِنَّ تَسْمِيَتَهُ هَذَا مُحْدَثٌ.
وَهَؤُلَاءِ صِنْفَانِ: صِنْفٌ قَالَ: إنَّ الْمُحْدَثَ هُوَ الْمَخْلُوقُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ، فَإِذَا قُلْنَا الْحَرْفُ وَالصَّوْتُ لَا يَكُونُ إلَّا مُحْدَثًا.
كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِنَا لَا يَكُونُ إلَّا مَخْلُوقًا.
وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ هَذَا الْمُعْتَزِلِيُّ أَبْطَلَ قَوْلَهُ بِقَوْلِهِ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ مَخْلُوقٍ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ مَخْلُوقٍ فِيهِ تَلْبِيسٌ.
وَنَحْنُ لَا نَقُولُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلَامٍ قَدِيمٍ وَلَا بِكَلَامٍ مَخْلُوقٍ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ، وَيَسْكُتُ إذَا شَاءَ، كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْتِي فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، كَمَا قَالَ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢٢] .
وَقَالَ: