{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: ١٥٨] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: ١٠٥] .
وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ كَثِيرٌ، مِنْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ إذَا شَاءَ فَعَلَ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ تَكْلِيمِهِ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ، وَمَا كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ هُوَ كَلَامُهُ لَا كَلَامُ غَيْرِهِ، وَالْمَخْلُوقُ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِالْخَالِقِ، وَلَا يَكُونُ الرَّبُّ مَحَلًّا لِلْمَخْلُوقَاتِ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَقُومُ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَخْلُوقًا، إنَّمَا الْمَخْلُوقُ مَا كَانَ بَائِنًا عَنْهُ، وَكَلَامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ.
وَلِهَذَا قَالَ السَّلَفُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، فَقَالُوا: مِنْهُ بَدَأَ، أَيْ: هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ لَا أَنَّهُ خَلَقَهُ فِي بَعْضِ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ.
وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَالْفِقْهِ، وَطَوَائِفَ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ مِنْ الْهِشَامِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
مِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ جَوَابَ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَهُمْ الَّذِينَ يَرْتَضُونَ قَوْلَ ابْنِ كِلَابٍ فِي الْقُرْآنِ، وَهُمْ طَوَائِفُ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ جَوَابَ الصِّنْفِ الثَّانِي، وَهُمْ الطَّوَائِفُ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ قَوْلَ ابْنِ كِلَابٍ، وَيَقُولُونَ إنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ كَالسَّالِمِيَّةِ.
وَطَوَائِفَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَارُ جَوَابَ الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ، وَهُمْ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ قَوْلَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ الْكِلَابِيَّةِ وَالسَّالِمِيَّةِ. ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ بِقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ، وَالْكَرَّامِيَّةُ مُنْتَسِبُونَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَخْتَارُ قَوْلَ الْكَرَّامِيَّةِ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَنَاقُضٍ آخَرَ، بَلْ يَقُولُ بِقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، كَالْبُخَارِيِّ، وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ السَّلَفِ: كَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَمَا نُقِلَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute