للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُخْطِئُ هُوَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ. وَقَدْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَلَّمَ خَطَأً لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ، وَلَوْ صَلَّى خَمْسًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ خَطَأٌ لَا يَلْزَمُ فِيهِ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ.

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[صَلَاةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ]

٢٦٢ - ١٧٨ - سُئِلَ: هَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ؟

أَجَابَ: وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّجُلِ خَلْفَ مَنْ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ، فَهَذِهِ تَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهَا: خِلَافُهَا شَاذٌّ، وَهُوَ مَا إذَا أَتَى الْإِمَامُ بِالْوَاجِبَاتِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ، لَكِنْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا مِثْلَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا فَعَلَهُ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَهُ، وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ، فَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ شَاذٌّ. وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْخَلَفِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا.

أَوْ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، أَوْ لَمْسِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ، أَوْ الْقَهْقَهَةِ، أَوْ خُرُوجِ النَّجَاسَاتِ، أَوْ النَّجَاسَةِ النَّادِرَةِ، وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ، وَمَذْهَبُهُ وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» فَجَعَلَ خَطَأَ الْإِمَامِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَأْمُومِ.

وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ إنْ كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ فِيهَا هُوَ الصَّوَابَ فَلَا نِزَاعَ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَخَطَؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ: الْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ، إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَهُوَ يُنْفِذُ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>