للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَافِرٍ مُكَذِّبًا، بَلْ مَنْ يَعْلَمُ صِدْقَهُ وَيُقِرُّ بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُبْغِضُهُ أَوْ يُعَادِيهِ كَافِرٌ أَوْ مَنْ أَعْرِض فَلَمْ يَعْتَقِدْ لَا صِدْقَهُ وَلَا كَذِبَهُ كَافِرٌ وَلَيْسَ بِمُكَذِّبٍ وَكَذَلِكَ الْعَالِمِ بِالشَّيْءِ قَدْ يَخْلُو عَنْ التَّكْذِيبِ وَعَنْ التَّصْدِيقِ بِهِ الَّذِي هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَمَلِ الْقَلْبِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ عَنْ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ عِلْمِ الْقَلْبِ فَأَمَّا أَنْ يَقُومَ بِالْقَلْبِ تَصْدِيقٌ قَوْلِيٌّ غَيْرُ الْعِلْمِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ هَؤُلَاءِ الشُّذَّاذُ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَوْرِدُ النِّزَاعِ.

وَلِهَذَا قَالَ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: التَّوْحِيدُ قَوْلُ الْقَلْبِ وَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ: وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَعُودُونَ بِالتَّذَكُّرِ عَلَى التَّفَكُّرِ وَبِالتَّفَكُّرِ عَلَى التَّذَكُّرِ، وَيُنَاطِقُونَ الْقُلُوبَ حَتَّى نَطَقَتْ، فَإِذَا لَهَا أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ فَنَطَقَتْ بِالْحِكْمَةِ وَأُورِثَتْ الْعِلْمَ.

[الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ أَنْ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ النَّفْسَ الَّذِي هُوَ الْقَلْبُ يُوصَفُ بِالنُّطْقِ]

ِ وَالْقَوْلِ كَمَا يُوصَفُ بِذَلِكَ اللِّسَانُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ وَالنُّطْقُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ جَعَلَ النُّطْقَ وَالْقَوْلَ هُوَ لِمَا فِي اللِّسَانِ فَقَطْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَهُ لِمَا فِي الْقَلْبِ فَقَطْ وَمَنْ جَعَلَ اللَّفْظَ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا فَقَدْ جَمَعَ الْبَعِيدَيْنِ بَلْ أَثْبَتَ النَّقِيضَيْنِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ اللَّفْظَ الشَّامِلَ لَهُمَا مَانِعًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أُرِيدُ بِهِ هَذَا وَحْدَهُ أَوْ هَذَا وَحْدَهُ مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ أُرِيدَ بِهِ كِلَاهُمَا كَانَ نَافِيًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَالِ إثْبَاتِ اللَّفْظِ لَهُ وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ مِنْ الْقَوْلِ وَالنُّطْقِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْإِنْسَانِ يَتَنَاوَلُ الرُّوحَ وَالْبَدَنَ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ يُسَمَّى بِالِاسْمِ مُفْرَدًا وَمَنْ لَمْ يَسْلُكْ هَذَا الْمَسْلَكَ وَإِلَّا انْهَالَتْ عَلَيْهِ الْحُجَجُ لِمَا نَفَاهُ مِنْ الْحَقِّ فَإِنَّ دَلَالَةَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ عَلَى شُمُولِ الِاسْمِ لَهُمَا وَعَلَى تَسْمِيَةِ أَحَدِهِمَا بِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ لَكِنَّ هَذَا النُّطْقَ وَالْكَلَامَ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْخَبَرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ هَلْ هُوَ شَيْءٌ مُخَالِفٌ لِلْعِلْمِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ضِدًّا لَهُ أَوْ هُوَ هُوَ أَوْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لَهُ فَدَعْوَى إمْكَانِ مُضَادَّتِهِ لِلْعِلْمِ مِمَّا يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ خِلَافُهُ وَدَعْوَى مُغَايِرَتِهِ لِلْعِلْمِ أَيْضًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُحِسُّ مِنْ نَفْسِهِ بِنِسْبَتَيْنِ جَازِمَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِتَنَاوُلِ الْمُفْرَدَيْنِ إحْدَاهُمَا عِلْمٌ وَالْأُخْرَى غَيْرُ عِلْمٍ وَلِهَذَا لَمْ يَتَنَازَعْ فِي ذَلِكَ لَا الْمُسْلِمُونَ وَلَا مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ حَتَّى أَهْلُ الْمَنْطِقِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ نُطْقَ النَّفْسِ وَيُسَمُّونَهَا النَّفْسَ النَّاطِقَةَ هُمْ عِنْدَ التَّحْقِيقِ يَرُدُّونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>