الْقَلْبِ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِقَلْبِهِ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ وَكَانَ مُبْغِضًا لَهُ وَلِلرَّسُولِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَلِمَنْ أَرْسَلَهُ مُعَادِيًا لِذَلِكَ مُسْتَكْبِرًا عَلَيْهِمْ مُمْتَنِعًا عَنْ الِانْقِيَادِ لِذَلِكَ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُؤْمِنًا مُثَابًا فِي الْآخِرَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ تَنَازُعِهِمْ الْكَثِيرِ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي كُفْرِ إبْلِيسَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا عَارِفًا بَلْ لَا بُدَّ فِي الْإِيمَانِ مِنْ عِلْمٍ فِي الْقَلْبِ وَعَمَلٍ فِي الْقَلْبِ أَيْضًا وَلِهَذَا كَانَ عَامَّةُ أَئِمَّةِ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ مُجَرَّدَ مَا فِي الْقَلْبِ أَوْ مَا فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ يُدْخِلُونَ فِي ذَلِكَ مَحَبَّةَ الْقَلْبِ وَخُضُوعَهُ لِلْحَقِّ لَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْقَلْبِ.
وَلَفْظُ التَّصْدِيقِ يَتَنَاوَلُ الْعِلْمَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ الْعِلْمِ وَمُقْتَضَاهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ عِلْمُهُ بِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلْمِ مُسْتَلْزِمٌ لِوُجُودِ هَذَا الْعَمَلِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ إسْلَامُ الْقَلْبِ بِمَحَبَّتِهِ وَخُشُوعِهِ فَإِذَا عُدِمَ مُقْتَضَى الْعِلْمِ فَإِنَّهُ قَدْ يَزُولُ الْعِلْمُ مِنْ الْقَلْبِ بِالْكُلِّيَّةِ وَيُطْبَعُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى يَصِيرَ مُنْكِرًا لِمَا عَرَفَهُ جَاهِلًا بِمَا كَانَ يَعْلَمُهُ وَهَذَا الْعِلْمُ وَهَذَا الْعَمَلُ كِلَاهُمَا يَكُونُ مِنْ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ.
فَلَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ يَنْظِمُ هَذَا كُلَّهُ لَكِنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ وَالْبِنَاءِ وَأَحَدُ ذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ فَهُوَ كَمَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمُ لِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْعَالَمِينَ الْجَاحِدِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ كَقَوْلِ أُولَئِكَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ فَهَذَا خَبَرٌ مَحْضٌ مُطَابِقٌ لِعِلْمِهِمْ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٤٦] لَكِنْ كَمَا لَا يَنْفَعُهُمْ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ لَا يَنْفَعُهُمْ مُجَرَّدُ الْخَبَرِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْعِلْمِ فِي الْبَاطِنِ مُقْتَضَاهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ الْمَحَبَّةُ وَالتَّعْظِيمُ وَالِانْقِيَادُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْخَبَرِ الظَّاهِرِ مُقْتَضَاهُ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُقِرُّونَ بِهِ يُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ وَبِأَنَّهُمْ جَاحِدُونَ وَيُوصَفُونَ بِأَنَّهُمْ مُكَذِّبُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُكَذِّبِينَ بِمَا عَلِمُوهُ أَيْ مُكَذِّبِينَ بِقُلُوبِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ مُقِرِّينَ مُصَدِّقِينَ إذْ الْعَبْدُ يَخْلُو فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالْكُفْرُ أَعَمُّ مِنْ التَّكْذِيبِ فَكُلُّ مَنْ كَذَّبَ الرَّسُولَ كَافِرٌ وَلَيْسَ كُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute