للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَفْظًا لَا مَعْنَى لَهُ فِي النَّفْسِ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْوَاتِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكِنْ يُقَالُ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الِاعْتِقَادِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّ الْمُعْتَقِدَ لِلشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِهِ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِهِ فَالْكَذِبُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، لَكِنَّ الْكَذِبَ يَعْلَمُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَالْجَهْلَ الْمُرَكَّبَ لَا يَعْلَمُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِاعْتِقَادَاتِ فِي كَوْنِهَا حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً لَا يُخْرِجُ عَنْ الِاشْتِرَاكِ فِي مُسَمَّى الِاعْتِقَادِ وَالْخَبَرِ النَّفْسَانِيِّ كَمَا لَا تُخْرِجُ الْعِبَارَةُ عَنْهَا بِكَوْنِهَا حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ مَعْلُومَةً أَوْ مَجْهُولَةً عَنْ أَنْ تَكُونَ لَفْظًا وَعِبَارَةً وَكَلَامًا فَإِذَا كَانَتْ الْعِبَارَاتُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا يَجْمَعُهَا النُّطْقُ اللِّسَانِيُّ فَالْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاعْتِقَادُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ يَجْمَعُهُ النُّطْقُ النَّفْسَانِيُّ وَالْخَبَرُ النَّفْسَانِيُّ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِرَادَةَ أَوْ الطَّلَبَ سَوَاءٌ كَانَتْ إرَادَةَ شَرٍّ أَوْ كَانَ صَاحِبُهَا عَالِمًا بِحَقِيقَةِ مُرَادِهِ وَعَاقِبَتِهِ أَوْ كَانَ جَاهِلًا بِعَاقِبَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ الِاشْتِرَاكِ فِي مُسَمَّى الْإِرَادَةِ أَوْ الطَّلَبِ.

الْوَجْهُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣] فَنَفَى عَنْهُمْ التَّكْذِيبَ وَأَثْبَتَ الْجُحُودَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّكْذِيبَ بِاللِّسَانِ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفِيًا عَنْهُمْ فَعُلِمَ أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمْ تَكْذِيبَ الْقَلْبِ وَلَوْ كَانَ الْمُكَذِّبُ الْجَاحِدُ عِلْمُهُ يَقُومُ بِقَلْبِهِ خَبَرٌ نَفْسَانِيٌّ لَكَانُوا مُكَذِّبِينَ بِقُلُوبِهِمْ فَلَمَّا نَفَى عَنْهُمْ تَكْذِيبَ الْقُلُوبِ عُلِمَ أَنَّ الْجُحُودَ الَّذِي هُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ الْمَعْلُومِ لَيْسَ هُوَ كَذِبًا فِي النَّفْسِ وَلَا تَكْذِيبًا فِيهَا وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الْعَالِمَ بِالشَّيْءِ لَا يُكَذِّبُ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ عِلْمِهِ فَإِنْ قِيلَ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ الْعَارِفُ بِهِ قَدْ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ وَقَدْ يَكْفُرُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤] وَذَلِكَ مَثَلُ الْمُعَانِدِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ كُفْرُهُمْ لِمُجَرَّدِ لَفْظِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَيْضًا قَدْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا يَعْلَمُونَهُ وَلَا يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ مِثْلُ مَا كَانَ يَقُولُهُ أَبُو طَالِبٍ مِنْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَمِثْلُ إخْبَارِ كَثِيرٍ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ بِرِسَالَتِهِ وَمَعَ هَذَا فَلَيْسُوا مُؤْمِنِينَ وَلَا مُصَدِّقِينَ وَمِنْهُمْ الْيَهُودُ الَّذِينَ جَاوَرُوهُ وَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ قِيلَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا هُوَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: وَهُوَ أَنَّ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ الْحَقِّ لَيْسَ إيمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>