للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إثْبَاتُ كَلَامٍ نَفْسَانِيٍّ هُوَ صِدْقٌ وَقِيَامُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ كَقِيَامِ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ، وَهَذَا لَا يَنْفَعُهُمْ فِي إثْبَاتِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، الَّذِي ادَّعَوْهُ مُنْفَرِدِينَ بِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا لَا يَنْفَعُهُمْ فِي إثْبَاتِ مَعْنَى الْخَبَرِ النَّفْسَانِيِّ الصَّادِقِ الَّذِي انْفَرَدُوا بِإِثْبَاتِهِ مِنْ بَيْنِ فِرَقِ الْأُمَّةِ وَابْتَدَعُوهُ وَفَارَقُوا بِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَقَرُّوا هُمْ بِهَذَا الشُّذُوذِ وَالِانْفِرَادِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَحْصُولِ.

الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَيْنِ لَا يُعَيِّنُ الصَّادِقَ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْعِلْمَ يُنَافِي الْكَذِبَ النَّفْسَانِيَّ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ قَدْ يُجَامِعُ الْكَذِبَ النَّفْسَانِيَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ مُسْتَلْزِمًا لِخَبَرٍ نَفْسَانِيٍّ صُدِّقَ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْمَرْءُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَعْلَمُهُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا عَلِمَهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِنَفْسِهِ خَبَرٌ يُنَافِي ذَلِكَ، بَلْ لَوْ كُلِّفَ ذَلِكَ كُلِّفَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَلِهَذَا لَمْ يَتَنَازَعْ النَّاسُ فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَكْلِيفُ الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَقِدَ خِلَافَ مَا يَعْلَمُهُ وَلَوْ كَانَ فِي الْإِمْكَانِ خَبَرٌ نَفْسَانِيٌّ يُنَافِي الْعِلْمَ لَأَمْكَنَ أَنْ يُطْلَبَ ذَلِكَ مِنْ الْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ كُلُّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ كَمَا أَنَّ طَلَبَ الْكَذِبِ مُمْكِنٌ وَالتَّكْلِيفَ بِهِ مُمْكِنٌ.

وَأَمَّا طَلَبُ كَذِبٍ نَفْسَانِيٍّ يُخَالِفُ الْعِلْمَ فَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ طَلَبُهُ وَالتَّكْلِيفُ بِهِ إذْ هُوَ أَمْرٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّ الْجَحْدَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ فِي الْعِبَارَةِ بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ، وَصَاحِبُ الْجَحْدِ وَإِنْ جَحَدَهُ بِاللِّسَانِ هُوَ مُعْتَرِفٌ بِالْقَلْبِ فَلَا يَصِحُّ الْجَحْدُ مِنْهُ بِالْقَلْبِ، هُوَ أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْعَالِمُ بِالشَّيْءِ قَدْ يَقُومُ بِقَلْبِهِ كَذِبٌ نَفْسَانِيٌّ يُنَافِي عِلْمَهُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ مَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْخَبَرِ النَّفْسَانِيِّ الَّذِي ادَّعَوْهُ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ.

الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ: أَنْ يُقَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُخْبِرُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَظُنُّهُ وَبِمَا يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ خِلَافَهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَهُ مَعْنًى يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَلِهَذَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَ تَقْدِيرِ الْعِبَارَةِ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ وُجُودِ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْبِرَ بِخِلَافِ عِلْمِهِ وَيَعْتَقِدَ ذَلِكَ يُقَدِّرُهُ وَيُصَوِّرُهُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَذِبَ لَفْظٌ لَهُ مَعْنًى كَمَا أَنَّ الصِّدْقَ لَفْظٌ لَهُ مَعْنًى وَلَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>