حَقِّهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مَعَ التَّنَاقُضِ لَمْ يُثْبِتُوا لَا الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ وَلَا صِدْقَهُ فَلَمْ يُثْبِتُوا وَاحِدًا مِنْ الْمُتَنَاقِضَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَخْلُو الْأَمْرُ عَنْ النَّقِيضَيْنِ وَيُمْكِنُ رَفْعُهُمَا جَمِيعًا.
قِيلَ: هَذَا لَا يُمْكِنُ فِي الْحَقَائِقِ الثَّابِتَةِ وَلَكِنْ يُمْكِنُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ الْمُمْتَنِعَةِ، فَإِنَّ مَنْ فَرَضَ تَقْدِيرًا مُمْتَنِعًا لَزِمَهُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَانْتِفَاؤُهُمَا وَذَلِكَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْمُحَالِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَهَذَا دَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ.
الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ: وَهُوَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِلْخَبَرِ مَعْنًى لَيْسَ هُوَ الْعِلْمُ وَبَابُهُ فَهَذَا إثْبَاتُ أَمْرٍ مُمْتَنِعٍ، وَإِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ صِفَةٍ بِأَنَّهُ صِدْقٌ أَوْ كَذِبٌ مُمْتَنِعٌ أَيْضًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَقَوْلُهُمْ بَعْدَ هَذَا الْعِلْمِ يَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ مِنْهُ وَيُنَافِي الْكَذِبَ، وَإِنْ كَانَ يُنَاقِضُ قَوْلَهُمْ الْعِلْمُ لَا يَسْتَلْزِمُ الصِّدْقَ وَلَا يُنَافِي الْكَذِبَ، فَهَذَانِ النَّقِيضَانِ كِلَاهُمَا مُنْتَفٍ لِأَنَّ كِلَاهُمَا إنَّمَا يَلْزَمُ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ مَعْنًى لِلْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَبَابَهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا بَاطِلًا مُمْتَنِعًا كَانَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ قَدْ يَكُونُ بَاطِلًا إذْ حَاصِلُهُ لُزُومُ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَلَزِمَ الْخُلُوُّ عَنْ النَّقِيضَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَهَذِهِ اللَّوَازِمُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى لِلْخَبَرِ لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَنَحْوَهُ، وَلِهَذَا يُجْعَلُ فَسَادُ اللَّوَازِمِ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِ الْمَلْزُومِ.
وَإِذَا أُرِيدَ تَحْرِيرُ الدَّلِيلِ بِهَذَا الْوَجْهِ قِيلَ لَوْ كَانَ لِلْخَبَرِ مَعْنًى لَيْسَ هُوَ الْعِلْمَ وَنَحْوَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ مُسْتَلْزِمًا لِصِدْقِهِ أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِصِدْقِهِ لَمْ يُعْلَمْ حِينَئِذٍ أَنَّهُ غَيْرُ الْعِلْمِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا إمْكَانَ تَقْدِيرِ الْكَذِبِ مَعَ الْعِلْمِ فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ مُسْتَلْزِمًا لِلصِّدْقِ النَّفْسَانِيِّ مُنَافِيًا لِلْكَذِبِ النَّفْسَانِيِّ كَانَ هَذَا التَّقْدِيرُ مُمْتَنِعًا فَلَا يُعْلَمُ حِينَئِذٍ ثُبُوتُ مَعْنًى لِلْخَبَرِ غَيْرَ الْعِلْمِ لَا فِي حَقِّ الْخَالِقِ وَلَا فِي حَقِّ الْعِبَادِ، فَيَكُونُ قَائِلُ ذَلِكَ قَائِلًا بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَلِيلٍ أَصْلًا فِي بَابِ كَلَامِ اللَّهِ وَخَبَرِهِ وَهَذَا مُحَرَّمٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَبْطُلُ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ، أَيْ أَنَّهُمْ قَالُوا بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ مُسْتَلْزِمًا لِلصِّدْقِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا مُنَافِيًا لِلْكَذِبِ النَّفْسَانِيِّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَرِيقٌ إلَى إثْبَاتِ كَلَامِ نَفْسَانِيٍّ هُوَ صِدْقٌ، لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا يُنَافِي ضِدَّهُ، فَلَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَسَائِرُ مَا يُذْكَرُ غَيْرُ الْعِلْمِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ صَادِقٌ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْكَذِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute