للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْجُنْدِيُّ الْمُقْطَعُ الَّذِي يُخَفِّفُ الْوَظَائِفَ عَنْ بِلَادِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهَا كُلُّهَا لِأَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ خَيْلٌ وَسِلَاحٌ وَنَفَقَةٌ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَتُهَا إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ تِلْكَ الْوَظَائِفِ، وَهَذَا مَعَ هَذَا يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِهَادِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، بَلْ ارْفَعْ يَدَك عَنْ هَذَا الْإِقْطَاعِ فَتَرَكَهُ وَأَخَذَهُ مَنْ يُرِيدُ الظُّلْمَ وَلَا يَنْفَعُ الْمُسْلِمِينَ، كَانَ هَذَا الْقَائِلُ مُخْطِئًا جَاهِلًا بِحَقَائِقِ الدِّينِ، بَلْ بَقَاءُ الْخَيْلِ مِنْ التُّرْكِ وَالْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَقْرَبُ لِلْعَدْلِ عَلَى إقْطَاعِهِمْ مَعَ تَخْفِيفِ الظُّلْمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ تِلْكَ الْإِقْطَاعَاتِ مَنْ هُوَ أَقَلُّ نَفْعًا وَأَكْثَرُ ظُلْمًا، وَالْمُجْتَهِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُقْطَعِينَ كُلِّهِمْ فِي الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ يَجْزِيهِ اللَّهُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْخَيْرِ، وَلَا يُعَاقِبُهُ عَلَى مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِمَا يَأْخُذُ وَيَصْرِفُ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا ذَلِكَ كَانَ تَرْكُ ذَلِكَ يُوجِبُ شَرًّا أَعْظَمَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ]

١٠٦٠ - ٣٦ وَسُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢١] فَمَا الْعِبَادَةُ وَفُرُوعُهَا؟ وَهَلْ مَجْمُوعُ الدِّينِ دَاخِلٌ فِيهَا أَمْ لَا؟ وَمَا حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ؟ وَهَلْ هِيَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَمْ فَوْقَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَقَامَاتِ؟ وَلْيَبْسُطُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ.

فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: " الْعِبَادَةُ " هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ: مِنْ الْأَقْوَالِ، وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ؛ فَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْحَجُّ، وَصِدْقُ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعُهُودِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْجِهَادُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَالْإِحْسَانُ إلَى الْجَارِ، وَالْيَتِيمِ، وَالْمِسْكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالْمَمْلُوكِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، وَالدُّعَاءُ، وَالذِّكْرُ، وَالْقِرَاءَةُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَةِ.

وَكَذَلِكَ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَخَشْيَةُ اللَّهِ وَالْإِنَابَةُ إلَيْهِ، وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ، وَالصَّبْرُ لِحُكْمِهِ، وَالشُّكْرُ لِنِعَمِهِ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَالرَّجَاءُ لِرَحْمَتِهِ، وَالْخَوْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>