الْمُسْلِمِينَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الظُّلْمِ، وَيَدْفَعُ شَرَّ الشِّرِّيرِ بِأَخْذِ بَعْضِ مَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ، فَمَا لَا يُمْكِنُهُ رَفْعُهُ هُوَ مُحْسِنٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ يُثَابُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ، وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَهَذَا كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ، وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَالْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِيكِ، وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ مَصْلَحَتِهِمْ إلَّا بِأَدَاءِ بَعْضِهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِلْقَادِرِ الظَّالِمِ، فَإِنَّهُ مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُسِيءٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا يُعْطِي هَؤُلَاءِ الْمَكَّاسِينَ وَغَيْرَهُمْ فِي الطُّرُقَاتِ، وَالْأَشْوَالِ، وَالْأَمْوَالِ، الَّتِي اُؤْتُمِنُوا، كَمَا يُعْطُونَهُ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَقَارِ وَالْوَظَائِفِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى مَا يُبَاعُ وَيُشْتَرَى، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ وَنَحْوِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَدِّيَ هَذِهِ الْوَظَائِفَ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِغَيْرِهِ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادُ الْعِبَادِ وَفَوَاتُ مَصَالِحِهِمْ.
وَاَلَّذِي يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقَعَ ظُلْمٌ قَلِيلٌ لَوْ قَبِلَ النَّاسُ مِنْهُ تَضَاعَفَ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانُوا فِي طَرِيقٍ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، فَإِنْ لَمْ يُرْضُوهُمْ بِبَعْضِ الْمَالِ أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَمَنْ قَالَ لِتِلْكَ الْقَافِلَةِ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تُعْطُوا لِهَؤُلَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي مَعَكُمْ لِلنَّاسِ، فَإِنَّهُ يَقْصِدُ بِهَذَا حِفْظَ ذَلِكَ الْقَلِيلِ الَّذِي يُنْهَى عَنْ دَفْعِهِ، وَلَكِنْ لَوْ عَمِلُوا بِمَا قَالَ لَهُمْ ذَهَبَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَسُلِبُوا مَعَ ذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا لَا يُشِيرُ بِهِ عَاقِلٌ فَضْلًا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ الشَّرَائِعُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ الرُّسُلَ
لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا
بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
فَهَذَا الْمُتَوَلَّى الْمُقْطَعُ الَّذِي يَدْفَعُ بِمَا يُوجِدُ مِنْ الْوَظَائِفِ وَيَصْرِفُ إلَى مَنْ نَسَبُهُ مُسْتَقِرًّا عَلَى وِلَايَتِهِ وَإِقْطَاعِهِ ظُلْمًا وَشَرًّا كَثِيرًا عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِذَلِكَ، إذَا رَفَعَ يَدَهُ تَوَلَّى مَنْ يُقِرُّهُ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْئًا هُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ وَصِيِّ الْيَتِيمِ، وَنَاظِرِ الْوَقْفِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ مَصْلَحَتِهِمْ إلَّا بِدَفْعِ مَا يُوصَلُ مِنْ الْمَظَالِمِ السُّلْطَانِيَّةِ، إذَا رَفَعَ يَدَهُ تَوَلَّى مَنْ يَجُورُ وَيُرِيدُ الظُّلْمَ، فَوِلَايَتُهُ جَائِزَةٌ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا يَدْفَعُهُ، بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute