الْإِنْسَانِ هُوَ النُّطْقُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: ٢٣] وَالْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ أَشْهَرِ الْأَلْفَاظِ وَمَعَانِيهَا مِنْ أَظْهَرِ الْمَعَانِي فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ وَالْمَعْنَى الَّذِي يَقُولُونَ إنَّهُ هُوَ الْكَلَامُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَرَاءَ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِمَا أَوْ يَكُونَ لَهُ حَقِيقَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ بَطَلَ قَوْلُكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ فَلَا رَيْبَ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ مُشْتَبِهَةٌ مُتَنَازَعٌ فِيهَا نِزَاعًا عَظِيمًا وَأَكْثَرُ طَوَائِفِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يُقِرُّونَ بِهَا وَإِذَا أَثْبَتُّمُوهَا إنَّمَا تُثْبِتُونَهَا بِأَدِلَّةٍ خَفِيَّةٍ بَلْ قَدْ يَعْتَرِفُونَ أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ فِي الشَّاهِدِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَلَكِنْ يَدَّعُونَ ثُبُوتَهَا فِي الْغَائِبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْكَلَامِ وَالْقَوْلِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الَّذِي لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ مِنْ أَشْهَرِ الْمَعَارِفِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي قُلْتُمُوهُ بَاطِلٌ بِلَا رَيْبٍ.
[الْوَجْهُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّ ثُبُوتَ الْكَلَامِ لِلَّهِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ]
ِ أَثْبَتُّمُوهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَيْتُمْ أَنَّهُ مَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ لَمْ يَظْهَرْ فِي الْأُمَّةِ إلَّا مِنْ حِينِ حُدُوثِ ابْنِ كُلَّابٍ ثُمَّ الْأَشْعَرِيِّ بَعْدَهُ إذْ قَبْلَ قَوْلِ ابْنِ كُلَابٍ لَا يُعْرَفُ فِي الْأُمَّةِ أَحَدٌ فَسَّرَ كَلَامَ اللَّهِ بِهَذَا وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي الْقُرْآنِ وَذَكَرَ أَقْوَالًا كَثِيرَةً فَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَوْلَ إلَّا عَنْ ابْنِ كُلَّابٍ وَجَعَلَ لَهُ تَرْجَمَةً فَقَالَ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُلَابٍ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كُلَّابٍ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا وَإِنَّ كَلَامَ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ قَائِمَةٌ بِهِ وَإِنَّهُ قَدِيمٌ بِكَلَامِهِ وَإِنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ بِهِ كَمَا إنَّ الْعِلْمَ قَائِمٌ بِهِ وَالْقُدْرَةَ قَائِمَةٌ بِهِ وَهُوَ قَدِيمٌ بِعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَلَا يَنْقَسِمُ وَلَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ وَلَا تَتَغَايَرُ وَإِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ الرَّسْمَ هُوَ الْحُرُوفُ الْمُتَغَايِرَةُ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْقَارِئِ وَإِنَّهُ خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ هُوَ هُوَ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ غَيْرَهُ وَإِنَّ الْعِبَارَاتِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تَخْتَلِفُ وَتَتَغَايَرُ وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَغَايِرٍ.
كَمَا أَنَّ ذِكْرَنَا لِلَّهِ مُخْتَلِفٌ وَمُتَغَايِرٌ وَالْمَذْكُورُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَغَايَرُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ كَلَامُ اللَّهِ عَرَبِيًّا لِأَنَّ الرَّسْمَ الَّذِي هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْهُ وَهُوَ قِرَاءَتُهُ عَرَبِيٌّ فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِعِلَّةٍ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ عِبْرَانِيًّا لِعِلَّةٍ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ أَمْرًا لِعِلَّةٍ وَسُمِّيَ نَهْيًا لِعِلَّةٍ وَخَبَرًا لِعِلَّةٍ وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute