مَنْزِلَتَانِ. لَكِنَّ هَذَا لَا يَنْضَبِطُ، فَإِنَّ الْمَنَازِلَ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالْكَوَاكِبِ، بَعْضُهَا قَرِيبٌ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَبَعْضُهَا بَعِيدٌ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَيْضًا فَوَقْتُ الْعِشَاءِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ يَتْبَعُ النَّهَارَ، فَيَكُونُ فِي الصَّيْفِ أَطْوَلَ، كَمَا أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ يَتْبَعُ اللَّيْلَ، فَيَكُونُ فِي الشِّتَاءِ أَطْوَلَ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ حِصَّةَ الْعِشَاءِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْفَجْرِ فِي الشِّتَاءِ، وَفِي الصَّيْفِ: فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا حِسِّيًّا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.
وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الْأَنْوَارَ تَتْبَعُ الْأَبْخِرَةَ، فَفِي الشِّتَاءِ يَكْثُرُ الْبُخَارُ بِاللَّيْلِ، فَيَظْهَرُ النُّورُ فِيهِ أَوَّلًا، وَفِي الصَّيْفِ تَقِلُّ الْأَبْخِرَةُ بِاللَّيْلِ، وَفِي الصَّيْفِ يَتَكَدَّرُ الْجَوَّ بِالنَّهَارِ بِالْأَبْخِرَةِ، وَيَصْفُو فِي الشِّتَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ مَزَّقَتْ الْبُخَارَ، وَالْمَطَرُ لَبَّدَ الْغُبَارَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ النُّورَيْنِ تَابِعَانِ لِلشَّمْسِ، هَذَا يَتَقَدَّمُهَا، وَهَذَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَا تَابِعَيْنِ لِلشَّمْسِ، فَإِذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ طَالَ زَمَنُ مَغِيبِهَا، فَيَطُولُ زَمَانُ الضَّوْءِ التَّابِعِ لَهَا.
وَأَمَّا جَعْلُ هَذِهِ الْحِصَّةِ بِقَدْرِ هَذِهِ الْحِصَّةِ، وَإِنَّ الْفَجْرَ فِي الصَّيْفِ أَطْوَلُ، وَالْعِشَاءَ فِي الشِّتَاءِ أَطْوَلُ، وَجَعْلُ الْفَجْرِ تَابِعًا لِلنَّهَارِ: يَطُولُ فِي الصَّيْفِ، وَيَقْصُرُ فِي الشِّتَاءِ، وَجَعْلُ الشَّفَقِ تَابِعًا لِلَّيْلِ يَقْصُرُ فِي الصَّيْفِ وَيَطُولُ فِي الشِّتَاءِ، فَهَذَا قَلْبُ الْحِسِّ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ. وَلَا يَتَأَخَّرُ ظُهُورُ السَّوَادِ عَنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ التَّغْلِيسُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ أَمْ الْإِسْفَارُ بِهَا]
١٠٧ - ٢٣ - مَسْأَلَةٌ:
هَلْ التَّغْلِيسُ أَفْضَلُ أَمْ الْإِسْفَارُ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. بَلْ التَّغْلِيسُ أَفْضَلُ، إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَفِيضَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ يُغَلِّسُ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: " لَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute