للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ» . وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ فِي مَسْجِدِهِ قَنَادِيلُ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِمَا بَيْنَ السِّتِّينَ آيَةً إلَى الْمِائَةِ، وَيَنْصَرِفُ مِنْهَا حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ» ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ نَحْوُ نِصْفِ جُزْءٍ أَوْ ثُلُثِ جُزْءٍ، وَكَانَ فَرَاغُهُ مِنْ الصَّلَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلَ جَلِيسَهُ. وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ كَانَ يُغَلِّسُ بِالْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَكَانَ بَعْدَهُ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَنَشَأَ فِي دَوْلَتِهِمْ فُقَهَاءُ رَأَوْا عَادَتَهُمْ فَظَنُّوا أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَقْدِيمِهِمَا، وَذَلِكَ غَلَطٌ فِي السُّنَّةِ.

وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» ، وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَوْ كَانَ مُعَارِضًا لَمْ يُقَاوِمْهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَالْخَبَرُ الْوَاحِدُ إذَا خَالَفَ الْمَشْهُورَ الْمُسْتَفِيضَ كَانَ شَاذًّا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ التَّغْلِيسَ هُوَ فِعْلُهُ حَتَّى مَاتَ، وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ.

وَقَدْ تَأَوَّلَ الطَّحَاوِيَّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ كَأَبِي حَفْصٍ الْبَرْمَكِيِّ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، قَوْلَهُ: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ» . عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْإِسْفَارُ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا، أَيْ أَطِيلُوا صَلَاةَ الْفَجْرِ حَتَّى تَخْرُجُوا مِنْهَا مُسْفِرِينَ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْإِسْفَارِ التَّبَيُّنُ، أَيْ صَلُّوهَا إذَا تَبَيَّنَ الْفَجْرُ وَانْكَشَفَ وَوَضَحَ: فَإِنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ وَقْتِهَا إلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ بِمُزْدَلِفَةَ. وَصَلَاةَ الْمَغْرِبِ بِجُمَعٍ، وَصَلَاةَ الْفَجْرِ إنَّمَا صَلَّاهَا يَوْمَئِذٍ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ» هَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «وَصَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ حِينَ بَزَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>