للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قَوْلِهِ {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٣٠] قَالَ إنْ عَلِمَا أَنَّ نِكَاحَهُمَا عَلَى غَيْرِ دُلْسَةٍ وَأَرَادَ بِالدُّلْسَةِ التَّحْلِيلَ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنْ عَلِمَ الْمُطَلِّقُ الْأَوَّلُ وَالزَّوْجَةُ أَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ كَانَ عَلَى غَيْرِ دُلْسَةٍ، فَحِينَئِذٍ إذَا تَزَوَّجَهَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنْ يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَالنِّكَاحِ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ أَيْضًا، أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ وَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَرَاجَعَا لَمْ يَكُونَا قَدْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ تَحْرِيمُهَا أَوَّلًا ثُمَّ حِلُّهَا لِلثَّانِي ثُمَّ حِلَّهَا لِلْأَوَّلِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ عَامَّةً فِي ظَنِّ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَظَنِّ حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَأَحَدُ الظَّنَّيْنِ لِأَجْلِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَجْعَلْ الظَّنَّ عِلْمًا هُنَا، فَلَمْ يَرْفَعْ الْفِعْلَ حَتَّى تَكُونَ أَنَّ الْخَفِيفَةَ مِنْ الثَّقِيلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ يَقِينٌ، بَلْ نُصِبَ بِأَنَّ الْخَفِيفَةِ لِنَعْلَمَ أَنَّهُ عَلَى بَابِهِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ الزَّوْجِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مُحَلِّلًا قَدْ لَا يُتَيَقَّنُ. وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِغَالِبِ الظَّنِّ، وَعَلَى هَذَا فَفِي الْآيَةِ حُجَّةٌ ثَابِتَةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

[الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ]

الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك طَلَّقْتُك رَاجَعْتُك» وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ مَاجَهْ «خَلَعْتُك رَاجَعْتُك» وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،

فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَرْتَجِعَ الْمَرْأَةَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ مُضَارَّتَهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تُشَارِفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَيُمْهِلَهَا حَتَّى تُشَارِفَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ ثُمَّ يَرْتَجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، فَتَصِيرَ الْعِدَّةُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَهَكَذَا، فَسَّرَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>