فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا الْيَتَامَى مِنْ النِّسَاءِ إذَا فَرَضُوا لَهُنَّ صَدَاقَ مِثْلِهِنَّ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي تَزْوِيجِهِنَّ بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وَدَلَائِلُ ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ، ثُمَّ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ جَوَّزُوا إنْكَاحَهَا لَهُمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهَا تُزَوَّجُ بِدُونِ إذْنِهَا، وَلَهَا الْخِيَارُ إذَا بَلَغَتْ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا لَا تُزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، كَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إذْنُهَا وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ، فَقَدْ أَذِنَتْ، وَإِنْ أَبَتْ فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا» .
فَهَذِهِ السُّنَّةُ نَصَّ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ، الَّذِي هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، أَنَّهَا تُزَوَّجُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَبْلُغَ، فَلَا تَصْبِرُ يَتِيمَةٌ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ صَرِيحٌ فِي دُخُولِ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي ذَلِكَ، إذْ الْبَالِغَةُ الَّتِي لَهَا أَمْرٌ فِي مَالِهَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْضَى بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ وَحَقِيقَتُهُ، وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ سُمِّيَ صَاحِبُهُ يَتِيمًا مَجَازًا، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْعُمُومِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْيَتِيمَةِ الْبَالِغَةِ دُونَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ، فَهَذَا لَا يُسَوِّغُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بِحَالٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ تَزْوِيج الْمَمَالِيكِ بِالْجِوَارِ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ]
٤٢١ - ٢٣ - مَسْأَلَةٌ:
فِي تَزْوِيجِ الْمَمَالِيكِ بِالْجِوَارِ مِنْ غَيْرِ عِتْقٍ إذَا كَانُوا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ، وَمَنْ يَعْقِدُ طَرَفَيْ النِّكَاحِ فِي الطَّرَفَيْنِ لَهُمَا وَلِأَوْلَادِهِمْ؟ وَهَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِهِنَّ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute