[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
ِ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ إنَّمَا شُرِعَتْ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ فَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ رَحْمَةِ الْخَلْقِ وَإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُعَاقِبُ النَّاسَ عَلَى ذُنُوبِهِمْ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ وَالرَّحْمَةَ لَهُمْ كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ وَكَمَا يَقْصِدُ الطَّبِيبُ مُعَالَجَةَ الْمَرِيضِ.
وَتَوْبَةُ الْقَاتِلِ لِلنَّفْسِ عَمْدًا مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تُقْبَلُ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَإِذَا اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا فَهَلْ لِلْمَقْتُولِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فِي الْآخِرَةِ فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ بَعْدَ الْجَرْحِ أَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ مَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ فَقُتِلَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعُوا وَقَالُوا عَمَدْنَا قَتْلَهُ.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إنَّمَا يُقْتَلُ إذَا لَمْ يَتُبْ فَيُمْكِنُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ كَمَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ إذَا أُلْقِيَ فِي الْغَارِ.
وَالدَّوْلُ عَلَى مَنْ يُقْتَلُ بِغَيْرِ حَقٍّ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ وَالدِّيَةُ إذَا تَعَمَّدَ، وَإِمْسَاكُ الْحَيَّاتِ جِنَايَةٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ "
: لَوْ أَمَرَ بِهِ يَعْنِي الْقَتْلَ سُلْطَانٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٍ ظُلْمًا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ظُلْمَهُ فِيهِ فَقَتَلَهُ فَالْقَوَدُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْآمِرِ خَاصَّةً.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا بِنَاءٌ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ فِي الْقَتْلِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا يُطَاعُ حَتَّى يَعْلَمَ جَوَازَ قَتْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ لَهُ مَعْصِيَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالظُّلْمِ فَهُنَا الْجَهْلُ بِعَدَمِ الْحِلِّ كَالْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ مِمَّنْ يُطِيعُهُ غَالِبًا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَتْلُ عَلَيْهِمَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْحَاكِمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute