وَالشُّهُودُ سَبَبٌ يَقْتَضِي غَالِبًا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمُكْرَهِ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ غِيلَةً لِأَخْذِ مَالِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْعَبْدِ نُصُوصٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ بَلْ أَجْوَدُ مَا رُوِيَ «مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ» . وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهُ ظُلْمًا كَانَ الْإِمَامُ وَلِيَّ دَمِهِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ وَالْآثَارِ أَنَّهُ إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَقَتْلُهُ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْمُثْلَةِ فَلَا يَمُوتُ إلَّا حُرًّا لَكِنَّ حُرِّيَّتَهُ لَمْ تَثْبُتْ حَالَ حَيَاتِهِ حَتَّى تَرِثَهُ عَصَبَتُهُ بَلْ حُرِّيَّتُهُ ثَبَتَتْ حُكْمًا وَهُوَ إذَا عَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الْإِمَامُ هُوَ وَلِيَّهُ فَلَهُ قَتْلُ قَاتِلِ عَبْدِهِ وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ يَقُولُ: إنَّ قَاتِلَ عَبْدِ غَيْرِهِ لِسَيِّدِهِ قَتْلُهُ وَإِذَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحَ وَهَذَا قَوِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَلِمَاذَا لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ:
«الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَمَنْ قَالَ لَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ يَقُولُ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ} [البقرة: ٢٢١] ، فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ خَيْرٌ مِنْ الذِّمِّيِّ الْمُشْرِكِ فَكَيْفَ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَالسُّنَّةُ إنَّمَا جَاءَتْ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدٍ فَإِلْحَاقُ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ بِذَلِكَ بَعِيدٌ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَرِثَ الْقَاتِلُ دَمًا مِنْ وَارِثٍ كَمَا لَا يَرِثُ هُوَ الْمَقْتُولَ وَهُوَ يُشْبِهُ حَدَّ الْقَذْفِ الْمُطَالَبَ بِهِ إذَا كَانَ الْقَاذِفُ هُوَ الْوَارِثَ أَوْ وَارِثَ الْوَارِثِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَتَلَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَبَاهُ وَالْآخَرُ أُمَّهُ وَهِيَ فِي زَوْجِيَّةِ الْأَبِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ قَتْلَ الْآخَرِ فَيَتَقَاصَّانِ لَا سِيَّمَا إذَا قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ بِمِلْكٍ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ، إمَّا بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِمَّا بِالتَّمْلِيكِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ.
وَإِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ رَضِيَ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالذِّمَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ كَمَا لَوْ عَفَا وَعَلَيْهِ تُخَرَّجُ قِصَّةُ عَلِيٍّ إذَا لَمْ تُخَرَّجْ عَلَى كَوْنِهِ مُرْتَدًّا أَوْ مُفْسِدًا فِي الْأَرْضِ أَوْ قَاتِلٌ الْأَئِمَّةَ، وَإِذَا قَالَ أَنَا قَاتِلُ غُلَامِ زَيْدٍ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ إنْ كَانَ نَحْوِيًّا لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَحْوِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute