كَارِهًا لِلشَّرْطِ؛ وَهُوَ لِلْجَزَاءِ أَكْرَهُ، وَيَلْتَزِمُ أَعْظَمَ الْمَكْرُوهَيْنِ عِنْدَهُ لِيَمْتَنِعَ بِهِ مِنْ أَدْنَى الْمَكْرُوهَيْنِ. فَيَقُولُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. أَوْ عَبِيدِي أَحْرَارٌ. أَوْ عَلَيَّ الْحَجُّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. أَوْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ زَنَيْت أَوْ سَرَقْت أَوْ خُنْت: فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقْصِدُ زَجْرَهَا أَوْ تَخْوِيفَهَا بِالْيَمِينِ، لَا إيقَاعَ الطَّلَاقِ إذَا فَعَلَتْ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُرِيدًا لَهَا وَإِنْ فَعَلْت ذَلِكَ؛ لِكَوْنِ طَلَاقِهَا أَكْرَهَ إلَيْهِ مِنْ مَقَامِهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَهُوَ عَلَّقَ بِذَلِكَ لِقَصْدِ الْحَظْرِ وَالْمَنْعِ؛ لَا لِقَصْدِ الْإِيقَاعِ: فَهَذَا حَالِفٌ لَيْسَ بِمُوقِعٍ. وَهَذَا هُوَ الْحَالِفُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ الَّذِي تُجْزِئُهُ الْكَفَّارَةُ. وَالنَّاسُ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، وَقَدْ يَحْلِفُونَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ الَّتِي فِي مَعْنَاهَا؛ فَإِنْ عُلِمَ هَذَا وَهَذَا سَوَاءٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُلْتَزِمُ لِأَمْرٍ عِنْدَ الشَّرْطِ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُلْتَزَمُ قُرْبَةً، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ بِهِ، لَا الْحَلِفُ بِهِ، فَلَوْ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ. كَالتَّطْلِيقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَمْ يَلْزَمْهُ.
وَلَوْ الْتَزَمَ الْقُرْبَةَ كَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ عَلَى وَجْهِ الْحَلِفِ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ، بَلْ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ، وَجُمْهُورِ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهَذَا الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ هُوَ الْتَزَمَ وُقُوعَهُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ، وَهُوَ يَكْرَهُ وُقُوعَهُ، إذَا أَوْجَدَ الشَّرْطَ كَمَا يَكْرَهُ وُقُوعَ الْكُفْرِ إذَا حَلَفَ بِهِ، وَكَمَا يَكْرَهُ وُجُوبَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ إذَا حَلَفَ بِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ هَذَا حَالِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، فَيُقَالُ: النَّصُّ وَرَدَ فِيمَنْ حَلَفَ بِالْمَخْلُوقَاتِ، وَلِهَذَا جَعَلَهُ شِرْكًا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ عَقَدَ الْيَمِينَ لِلَّهِ فَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّنْ عَقَدَهَا بِاَللَّهِ، وَلِهَذَا كَانَ النَّذْرُ أَبْلَغَ مِنْ الْيَمِينِ. فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا عُقِدَ لِلَّهِ أَوْلَى مِنْ وُجُوبِهَا فِيمَا عُقِدَ بِاَللَّهِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[الْمَرْأَة إذَا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ]
٥٤٤ - ٧ - سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِيمَنْ يَقُولُ إنَّ الْمَرْأَةَ. إذَا وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، تُبَاحُ بِدُونِ نِكَاحٍ ثَانٍ لِلَّذِي طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَا صِفَةُ النِّكَاحِ الثَّانِي الَّذِي يُبِيحُهَا أَفْتُونَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute