تِلْكَ الْأَسْمَاءُ الْعَجَمِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى صِفَاتٍ لَيْسَتْ هِيَ الصِّفَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْهَا الِاسْمُ الْعَرَبِيُّ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى بِالْعَرَبِيَّةِ وَتَارَةً يَكُونُ مَعْنَاهَا مَعْنَى الِاسْمِ الْعَرَبِيِّ فَيَكُونُ هَذَا كَالْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ، وَلَوْلَا تَنَوُّعُ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَزِيَّةً وَلَا كَانَ فِي اخْتِصَاصِ بَعْضِ النَّاسِ بِعِلْمِ بَعْضِهَا فَضِيلَةٌ وَلَا كَانَ الدُّعَاءُ بِبَعْضِهَا أَوْكَدَ مِنْ الدُّعَاءِ بِبَعْضٍ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَصَابَ عَبْدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا غَمٌّ وَلَا حُزْنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك ابْنُ أَمَتِك نَاصِيَتِي بِيَدِك مَاضٍ فِي حُكْمُك عَدْلٌ فِي قَضَاؤُك أَسْأَلُك اللَّهُمَّ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقِك أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ بَصَرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي إلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَعَلَّمُهُنَّ، قَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ «لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى» وَقَوْلُهُ «أَسْأَلُك بِاسْمِك الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ الْكَبِيرِ الْأَكْبَرِ» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ «اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ» .
[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مَعَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ]
الْوَجْهُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: إنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مَعَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ الْمَوْصُوفَةِ بِصِفَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَلَيْسَ دَلَالَةُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى كَلَامِهِ كَدَلَالَةِ أَسْمَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ فَإِنَّ الِاسْمَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي الْمُسَمَّى وَيَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّفَةِ الَّتِي اخْتَصَّ بِالدَّلَالَةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ فَكُلٌّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ لَهُ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعْنَاهُ كَمَا يُشَارِكُ الِاسْمُ الِاسْمَ فِي مُسَمَّاهُ، فَإِنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مَثَلًا وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَنَحْوَهُمَا دَالَّةٌ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ الْمُتَعَلِّقِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسُورَةُ الدَّيْنِ وَسُورَةُ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] وَغَيْرُهُمَا لَهُمَا مَعَانٍ أُخَرُ فِي ذَمِّ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينَ وَالْأَمْرِ بِبَعْضِ الْأَفْعَالِ، وَلَيْسَ ذَمُّ هَذَا الْمَخْلُوقِ وَالْخَبَرُ عَنْهُ هُوَ مَدْحَ اللَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَلَا مَعْنَى هَذَا هُوَ مَعْنَى هَذَا وَلَا بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فِي الْخَارِجِ أَصْلًا كَمَا بَيْنَ الِاسْمَيْنِ إذْ مُسَمَّاهُمَا وَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَأَمَّا مَعْنَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَلَيْسَ هُوَ وَاحِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute