أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا، وَبِاحْتِمَالِ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلَاهُمَا. فَمَتَى لَمْ يَنْدَفِعْ الْفَسَادُ الْكَبِيرُ عَنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَصَارِفِهَا الشَّرْعِيَّةِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ - مِنْ احْتِمَالِ الْمَفْسَدَةِ الْقَلِيلَةِ - كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبَ شَرْعًا.
وَإِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ ضَرَرٍ أَوْجَبَ الْتِزَامُهُ، أَوْ مُزَاحَمَةِ مَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْ ذَلِكَ. وَلَهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْحَاجَةِ تَنَاوُلُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِيهَا؛ بَلْ قَدْ جَوَّزَهُ مَنْ جَوَّزَهُ مَعَ الْغِنَى أَيْضًا، كَمَا جَوَّزَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ الْأَخْذَ مَعَ الْغِنَى عَنْهَا.
وَإِذَا خَرِبَ مَكَانُ مَوْقُوفٍ فَتَعَطَّلَ نَفْعُهُ بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ فِي نَظِيرِهِ، أَوْ نُقِلَتْ إلَى نَظِيرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا خَرِبَ بَعْضُ الْأَمَاكِنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا - كَمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ - عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ عِمَارَتُهُ، فَإِنَّهُ يُصْرَفُ رِيعُ الْوَقْفِ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ.
وَمَا فَضَلَ مِنْ رِيعٍ وُقِفَ عَنْ مَصْلَحَتِهِ صُرِفَ فِي نَظِيرِهِ، أَوْ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ، وَلَمْ يُحْبَسْ الْمَالُ دَائِمًا فَلَا فَائِدَةَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كُلَّ عَامٍ يَقْسِمُ كِسْوَةَ الْكَعْبَةِ بَيْنَ الْحَجِيجِ؛ وَنَظِيرُ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ الْمَسْجِدُ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ الْحُصْرِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَرَ بِتَحْوِيلِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى صَارَ مَوْضِعُ الْأَوَّلِ سُوقًا.
[مَسْأَلَةٌ الْوَقْفِ الَّذِي أُوقِفَ عَلَى الْأَشْرَافِ]
٨٩٤ - ٥٣ مَسْأَلَةٌ:
فِي الْوَقْفِ الَّذِي أُوقِفَ عَلَى الْأَشْرَافِ وَيَقُولُ: إنَّهُمْ أَقَارِبُ: هَلْ الْأَقَارِبُ شُرَفَاءُ أَمْ غَيْرُ شُرَفَاءَ؟ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلُوا شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ أَمْ لَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ. أَوْ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ: كَالْعَلَوِيِّينَ، وَالْفَاطِمِيِّينَ، أَوْ الطَّالِبِيِّنَ الَّذِينَ يَدْخُلُ فِيهِمْ بَنُو جَعْفَرٍ؛ وَبَنُو عُقَيْلٍ. أَوْ عَلَى الْعَبَّاسِيِّينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَنْ كَانَ نَسَبُهُ صَحِيحًا ثَابِتًا. فَأَمَّا مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْهُمْ؛ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ: فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْهُمْ: كَبَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْأَنْسَابِ وَغَيْرِهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ نَسَبٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ شَهِدَ بِذَلِكَ طَوَائِفُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالْكَلَامِ وَالْأَنْسَابِ، وَثَبَتَ فِي ذَلِكَ مَحَاضِرُ شَرْعِيَّةٌ. وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي كُتُبٍ عَظِيمَةٍ مِنْ كُتُبِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ ذَلِكَ مِمَّا تَوَاتَرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute