فَعَلَيْهِ عُشْرُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُشْرُ مَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ أُعِيرَ أَرْضًا، أَوْ أُقْطِعَهَا، أَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى عَيْنِهِ، فَازْدَرَعَ فِيهَا زَرْعًا فَعَلَيْهِ عُشْرُهُ، وَإِنْ آجَرَهَا فَالْعُشْرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَإِنْ زَارَعَهَا فَالْعُشْرُ بَيْنَهُمَا.
وَأَصْلُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الزَّرْعِ، وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَهُمْ يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الزَّرْعِ وَمُسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الزَّكَاةِ.
وَالْخَرَاجَ حَقُّ الزَّرْعِ، وَمُسْتَحِقُّهُ أَهْلُ الْفَيْءِ، فَهُمَا حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَاجْتَمَعَا، كَمَا لَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَهْلِهِ وَالْكَفَّارَةُ حَقًّا لِلَّهِ، وَكَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ لِمَالِكِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ حَقًّا لِلَّهِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْعُشْرُ حَقُّ الْأَرْضِ، فَلَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهَا حَقَّانِ.
وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُمْكِنُ، أَنْ تُزْرَعَ سَوَاءٌ زُرِعَتْ، أَوْ لَمْ تُزْرَعْ، وَأَمَّا الْعُشْرُ فَلَا يَجِبُ إلَّا فِي الزَّرْعِ وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ، «لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ» كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
[فَصْلٌ أَدَّى فَرْضَهُ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ لِمَنْ يُؤَدِّي فَرْضَهُ]
فَصْلٌ وَأَمَّا مَنْ أَدَّى فَرْضَهُ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ لِمَنْ يُؤَدِّي فَرْضَهُ مِثْلُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامُ مَرَّتَيْنِ، هَذِهِ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ.
وَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَدَ: إحْدَاهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهِيَ اخْتِيَارُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهِيَ اخْتِيَارُ بَعْضِ أَصْحَابِهِ.
كَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيَّ.
وَهِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّالِثَةُ: يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَصَلَاةِ الْخَوْفِ.
قَالَ الشَّيْخُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ جَدِّنَا أَبِي الْبَرَكَاتِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى بِأَصْحَابِهِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَرَّتَيْنِ، وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى بِطَائِفَةٍ أُخْرَى وَسَلَّمَ» .
وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ مُطْلَقًا احْتَجَّ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ الْمَعْرُوفِ، «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ ثُمَّ يَنْطَلِقُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ» .