وَهُنَا لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَيَانُ تَوَقُّفِ الْحِلِّ عَلَى طَلَاقِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ قَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٢٤] ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَيُّ فُرْقَةٍ حَصَلَتْ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي فِي الْحِلِّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الْمُطَلِّقِ، وَعِلْمُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ الْمُتَزَوِّجَةَ لَا تَحِلُّ أَظْهَرُ مِنْ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْمُعْتَدَّةَ لَا تَحِلُّ، فَلَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ ذِكْرُهُ الْعِدَّةَ أَوْكَدَ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةٍ فِي ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ، ثُمَّ فِي تَخْصِيصِ الطَّلَاقِ. ثُمَّ ذِكْرِهِ بِحَرْفِ إنْ وَمَا ذَاكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا لِبَيَانِ أَنَّ النِّكَاحَ الْمُتَقَدِّمَ الْمَشْرُوطَ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ. فَإِنْ طَلَّقَهَا وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْمَسْلَكُ السَّابِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا]
الْمَسْلَكُ السَّابِعُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٣٠] قَالَ هَذَا بَعْدَ أَنْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩] فَأَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي فِدْيَتِهَا إنْ خِيفَ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَهُ حُدُودٌ وَهُوَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.
فَإِذَا خِيفَ أَنْ يَكُونَ فِي اجْتِمَاعِهِمَا تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ، كَانَ افْتِدَاؤُهَا مِنْهُ جَائِزًا. ثُمَّ ذَكَرَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَهَا أَنْ تُرَاجِعَ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ. إنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَإِنَّمَا أَبَاحَ مُعَاوَدَتَهَا لَهُ إذَا ظَنَّا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ. كَمَا أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ افْتِدَاءَهَا مِنْهُ إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ هُنَا الْفِدَاءُ.
وَيَكْفِي فِي إبَاحَةِ الْفُرْقَةِ خَوْفُ الذَّنْبِ فِي الْمُقَامِ وَالْمَشْرُوطُ هُنَا النِّكَاحُ. وَلَا بُدَّ فِي الْمُجَامَعَةِ مِنْ ظَنِّ الطَّاعَةِ. وَإِنَّمَا شَرَطَ هَذَا الشَّرْطَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ. فَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ النَّظَرِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ. هَلْ تَبَدَّلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute