للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ الصُّلْحِ وَحُكْمِ الْجِوَارِ]

ِ وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ الْمُؤَجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَحُكِيَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ، وَيَصِحُّ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ وَعَنْ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ غَيْرِ الْمِثْلِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ، وَالْغَبْنُ وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً كَالِاسْتِظْلَالِ بِجِدَارِ الْغَيْرِ وَالنَّظَرِ فِي سِرَاجِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ اتِّفَاقًا، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ حَائِطِ بُسْتَانٍ فَبَنَى أَحَدُهُمَا فَمَا تَلِفَ مِنْ الثَّمَرَةِ بِسَبَبِ إهْمَالِ الْآخَرِ ضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ، وَإِذَا احْتَاجَ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ إلَى عِمَارَةٍ لَا بُدَّ مِنْهَا فَعَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَعْمُرَ مَعَ شَرِيكِهِ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَيَلْزَمُ إلَّا عَلَى التَّسَتُّرِ بِمَا يَمْنَعُ مُشَارَفَةَ الْأَسْفَلِ.

وَإِنْ اسْتَوَيَا وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَ السُّتْرَةِ أُجْبِرَ الْآخَرُ مَعَهُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى السُّتْرَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يُؤْذِي بِهِ جَارَهُ مِنْ بِنَاءِ حَمَّامٍ وَحَانُوتِ طَبَّاخٍ وَدَقَّاقٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمَنْ لَمْ يَسُدَّ بِئْرَهُ سَدًّا يَمْنَعُ مِنْ التَّضَرُّرِ بِهَا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا وَلَهُ تَعْلِيَةُ بِنَائِهِ، وَلَوْ أَفْضَى إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْ جَارِهِ.

قُلْت: وَفِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ نَظَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ خَوْفًا مِنْ نَقْصِ أُجْرَةِ مِلْكِهِ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْمُضَارَّةُ مَبْنَاهَا عَلَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، أَوْ عَلَى فِعْلِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ فَمَتَى قَصَدَ الْإِضْرَارَ وَلَوْ بِالْمُنَاخِ أَوْ فَعَلَ الْإِضْرَارَ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ فَهُوَ مُضَارٌّ.

وَأَمَّا إذَا فَعَلَ الضَّرَرَ الْمُسْتَحَقَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ لَا لِقَصْدِ الْأَضْرَارِ فَلَيْسَ بِمُضَارٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ النَّخْلَةِ الَّتِي كَانَتْ تَضُرُّ صَاحِبَ الْحَدِيقَةِ لَمَّا طَلَبَ مِنْ صَاحِبِهَا الْمُعَاوَضَةَ عَنْهَا بِعِدَّةِ طُرُقٍ فَلَمْ يَفْعَلْ، فَقَالَ إنَّمَا أَنْتَ مُضَارٌّ ثُمَّ أَمَرَ بِقَلْعِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الضِّرَارَ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ تَمْكِينُ صَاحِبِهِ مِنْهُ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ سَاحَةٌ تُلْقَى فِيهَا التُّرَابُ وَالْحَيَوَانَاتُ وَيَتَضَرَّرُ الْجِيرَانُ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يَدْفَعَ ضَرَرَ الْجِيرَانِ إمَّا بِعِمَارَتِهَا أَوْ إعْطَائِهَا لِمَنْ يُعَمِّرُهَا، أَوْ يَمْنَعُ أَنْ يُلْقَى فِيهَا مَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ، وَإِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مُعَدًّا لِلصَّلَاةِ فَفِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ نِزَاعٌ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>