للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَشْهُورِينَ. فَمَنْ صَارَ إلَى قَوْلٍ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ صَارَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ مُقَلِّدًا لِقَائِلِهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا ظَهَرَتْ.

وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلًا عَلَى قَوْلٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا يَتَعَصَّبُ لِقَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ وَلَا لِقَائِلٍ عَلَى قَائِلٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، بَلْ مَنْ كَانَ مُقَلِّدًا لَزِمَ حِلُّ التَّقْلِيدِ، فَلَمْ يُرَجِّحْ وَلَمْ يُزَيِّفْ وَلَمْ يُصَوِّبْ وَلَمْ يُخَطِّئْ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ مَا يَقُولُهُ سُمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقُبِلَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَقٌّ، وَرُدَّ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَوُقِفَ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ فَاوَتَ بَيْنَ النَّاسِ فِي قُوَى الْأَذْهَانِ، كَمَا فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي قُوَى الْأَبْدَانِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا فِيهَا مِنْ أَغْوَارِ الْفِقْهِ وَحَقَائِقِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ عَرَفَ أَقَاوِيلَ الْعُلَمَاءِ وَمَآخِذَهُمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ إلَّا قَوْلَ عَالِمٍ وَاحِدٍ وَحُجَّتَهُ دُونَ قَوْلِ الْعَالِمِ الْآخَرِ وَحُجَّتِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْعَوَامّ الْمُقَلِّدِينَ لَا مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُرَجِّحُونَ وَيُزَيِّفُونَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَهْدِينَا وَإِخْوَانَنَا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَةٌ زِيَارَة الْقُدْسِ وَقَبْرِ الْخَلِيلِ]

١٣ - مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ زِيَارَةِ الْقُدْسِ وَقَبْرِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ وَمَا فِي أَكْلِ الْخُبْزِ وَالْعَدَسِ مِنْ الْبَرَكَةِ وَنَقْلِهِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لِلْبَرَكَةِ؟ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ؟

أَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. أَمَّا السَّفَرُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَالِاعْتِكَافِ، أَوْ الْقِرَاءَةِ، أَوْ الذِّكْرِ، أَوْ الدُّعَاءِ فَمَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» . وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامِ وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>