للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» . وَأَمَّا السَّفَرُ إلَى مُجَرَّدِ زِيَارَةِ قَبْرِ الْخَلِيلِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَمَشَاهِدِهِمْ، وَآثَارِهِمْ، فَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، لَا الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، بَلْ لَوْ نَذَرَ ذَلِكَ نَاذِرٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَذَا النَّذْرِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ.

بِخِلَافِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ إذَا نَذَرَ السَّفَرَ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا نَذَرَ السَّفَرَ إلَى الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ لَزِمَهُ السَّفَرُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، كَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ كُلِّ مَا كَانَ طَاعَةً مِثْلُ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا أَوْ صَدَقَةً لِلَّهِ أَوْ حَجًّا. وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ السَّفَرُ إلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَاعَةٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» . فَمُنِعَ مِنْ السَّفَرِ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ، فَغَيْرُ الْمَسَاجِدِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ الْبُيُوتِ بِلَا رَيْبٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَحَبُّ الْبِقَاعِ إلَى اللَّهِ الْمَسَاجِدُ» مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» ، يَتَنَاوَلُ الْمَنْعَ مِنْ السَّفَرِ إلَى كُلِّ بُقْعَةٍ مَقْصُودَةٍ. بِخِلَافِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ، وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ السَّفَرَ لِطَلَبِ تِلْكَ الْحَاجَةِ حَيْثُ كَانَتْ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ الْأَخِ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ حَيْثُ كَانَ.

وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالسَّفَرِ إلَى الْمَشَاهِدِ وَاحْتَجُّوا

<<  <  ج: ص:  >  >>