يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ، كَمَا كَانَ الْمُؤَذِّنَانِ يُؤَذِّنَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُؤَذِّنُونَ مَعَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مِثْلِ صَحْنِ الْمَسْجِدِ، فَلَيْسَ أَذَانُهُمْ مَشْرُوعًا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، بَلْ ذَلِكَ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّبْلِيغُ وَرَاءَ الْإِمَامِ، بَلْ يُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ إلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُبَلِّغِ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ الْمُجِيبَ يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ حَتَّى فِي الْحَيْعَلَةِ، وَقِيلَ: يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.
وَيَجُوزُ الْأَذَانُ لِلْفَجْرِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَحْمَدَ نَصٌّ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ التَّأْذِينُ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: يَجُوزُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَمَا يَجُوزُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ الْإِفَاضَةُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ، وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اللَّيْلُ الَّذِي يُعْتَبَرُ نِصْفُهُ أَوَّلُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ طُلُوعُهَا، كَمَا أَنَّ النَّهَارَ الْمُعْتَبَرَ نِصْفُهُ أَوَّلُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَآخِرُهُ غُرُوبُهَا لِانْقِسَامِ الزَّمَانِ لَيْلًا وَنَهَارًا.
وَلَعَلَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ» الَّذِي يَنْتَهِي لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفِي الْآخَرِ حِينَ يَمْضِي نِصْفُ اللَّيْلِ يَعْنِي اللَّيْلَ الَّذِي يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنَّهُ إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ الشَّمْسِيُّ يَكُونُ قَدْ بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْفَجْرِيُّ تَقْرِيبًا، وَلَوْ قِيلَ: تَحْدِيدُ وَقْتِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ تَارَةً، وَإِلَى ثُلُثِهِ أُخْرَى مِنْ هَذَا الْبَابِ لَكَانَ مُتَوَجَّهًا، وَيُسْتَحَبُّ؛ إذَا أَخَّرَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ أَنْ لَا يَقُومَ، إذْ فِي ذَلِكَ تَشَبُّهٌ بِالسُّلْطَانِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَقُومُ أَوْ مَا يُبْدِي أَوْ يَصِيرُ.
[بَابُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ]
ِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ أَصْحَابِنَا فِي وَجْهِ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِعَوْرَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَوْرَةٌ، وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي كَشْفِهِ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ عَوْرَةٌ فِي بَابِ النَّظَرِ إذْ لَمْ يَجُزْ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute