هُمْ مَعَ الْقُدْرَةِ يُحَارِبُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ الْعَجْزِ يُنَافِقُونَهُمْ وَالْمُؤْمِنُ مَشْرُوعٌ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ أَنْ يُقِيمَ دِينَ اللَّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهَا وَمَعَ الْعَجْزِ يُمْسِكُ عَمَّا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ الِانْتِصَارِ وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْبَلَاءِ مِنْ غَيْرِ مُنَافَقَةٍ، بَلْ يُشْرَعُ لَهُ مِنْ الْمُدَارَاةِ وَمِنْ التَّكَلُّمِ بِمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَعَ أَهْلِ الْبِدْعَةِ بِالْعَكْسِ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِمْ لَا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِالتَّكْفِيرِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمْ الْعَدْلَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْحَرُورِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَإِذَا جَاهَدُوهُمْ فَكَمَا جَاهَدَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْحَرُورِيَّةَ بَعْدَ الْإِعْذَارِ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ وَعَامَّةُ مَا كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعَهُمْ الْهِجْرَانَ وَالْمَنْعَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَظْهَرُ بِسَبَبِهَا بِدْعَتُهُمْ، مِثْلُ تَرْكُ مُخَاطَبَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ إلَى خُمُودِ بِدْعَتِهِمْ، وَإِذَا عَجَزُوا عَنْهُمْ لَمْ يُنَافِقُوهُمْ بَلْ يَصْبِرُونَ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُ كَمَا كَانَ سَلَفُ الْمُؤْمِنِينَ يَفْعَلُونَ وَكَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى الْحَقِّ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَحْمِلَهُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لَا يَعْدِلُوا.
[الْوَجْهُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ إنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الَّذِي زَعَمُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ]
ِ وَخَالَفُوا فِي إثْبَاتِهِ جَمِيعَ فِرَقِ الْإِسْلَامِ كَمَا يُقِرُّونَ هُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَنَّ إثْبَاتَهُمْ لِهَذَا يُخَالِفُهُمْ فِيهِ سَائِرُ فِرَقِ الْأُمَّةِ قَدْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ خَمْسَةُ مَعَانٍ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ وَاسْتِخْبَارٌ وَنِدَاءٌ، فَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ ذَلِكَ لِمَعْنًى هُوَ مَعْنَى كُلِّ أَمْرٍ، أَمَرَ اللَّهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَمْرَ تَكْوِينٍ كَقَوْلِهِ لِلْمَخْلُوقِ كُنْ فَيَكُونُ، أَوْ كَانَ أَمْرَ تَشْرِيعٍ، كَأَمْرِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَهُوَ مَعْنَى كُلِّ نَهْيٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَكُلِّ خَبَرٍ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالْآخَرُونَ يَقُولُونَ الْأَمْرُ الْوَاحِدُ هُوَ الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ، وَالسَّبْتُ الَّذِي لِلْيَهُودِ هُوَ الْأَمْرُ الْمَنْسُوخُ وَبِالنَّاسِخِ وَبِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَبِالْعَرَبِيَّةِ وَبِالعَبْرَانِيّةِ ة وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي النَّهْيِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْخَبَرِ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ مَعْنَى مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ وَصِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُجَرَّدَ تَصَوُّرِ هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِفَسَادِهِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ الْعُقَلَاءِ فَإِنَّ أَظْهَرَ الْمَعَارِفِ لِلْمَخْلُوقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute