يَجُوزُ، بَلْ لَا يَجُوزُ الِانْحِنَاءُ كَالرُّكُوعِ أَيْضًا، أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا إنْ فَعَلَ لِنَيْلِ الرِّيَاسَةِ وَإِلْمَامٍ فَحَرَامٌ.
[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]
يُشْرَعُ لِلسَّهْوِ لَا لِلْعَمْدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَى هَذَا عَامَّةُ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ.
وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَرَّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَبَيْنَ الشَّكِّ مَعَ التَّحَرِّي وَالشَّكِّ مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ فَإِذَا كَانَ السُّجُودُ لِنَقْصٍ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَابِرٌ لِيُتِمَّ الصَّلَاةَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ إرْغَامٌ لِلشَّيْطَانِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ زِيَادَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، كَذَلِكَ إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَإِنَّمَا السَّجْدَتَانِ إرْغَامٌ لِلشَّيْطَانِ فَتَكُونَانِ بَعْدَهُ.
وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَكْمَلَهَا فَقَدْ أَتَمَّهَا، وَالسَّلَامُ فِيهَا زِيَادَةٌ، وَالسُّجُودُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَبِنْ لَهُ الرَّاجِحُ فَيَعْمَلُ هُنَا عَلَى الْيَقِينِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا فَالسَّجْدَتَانِ يَشْفَعَانِ لَهُ صَلَاتَهُ لِيَكُونَ كَأَنَّهُ صَلَّى لِلَّهِ سِتًّا لَا خَمْسًا.
وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَذَا الَّذِي بَصِرْنَاهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَمَا شُرِعَ قَبْلَ السَّلَامِ يَجِبُ فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَا شُرِعَ بَعْدَ السَّلَامِ لَا يُفْعَلُ إلَّا بَعْدَهُ وُجُوبًا، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَهَلْ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ إذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ يُسَلِّمُ، وَلَا يَتَشَهَّدُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ. وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَالتَّكْبِيرُ لِسُجُودِ السَّهْوِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ سَجَدَ وَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ وَتَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute