للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحَبَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ وَإِلَّا لَكَانَ مِنْ أَحَبِّ إيمَانِهِ أَنَّهُ يُؤْذَى فَيَصْبِرَ عَلَى الْأَذَى مَأْمُورًا بِأَنْ يُؤْذِيَ النَّاسَ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَنَحْوٌ مِنْ هَذَا مَا رَوَى أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحِيَلُ تُنَافِي مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَمْرُ الدِّينِ مِنْ التَّحَابُبِ وَالتَّنَاصُحِ وَالِائْتِلَافِ وَالْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ، وَيَقْتَضِي التَّبَاغُضَ وَالتَّقَاطُعَ وَالتَّدَابُرَ هَذَا فِي الْحِيَلِ عَلَى الْخَلْقِ، وَالْحِيَلُ عَلَى الْخَالِقِ أَوْلَى فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَ مِنْهُ مِنْ النَّاسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.

[الْوَجْه التَّاسِع عَشْر اسْتَعْمَلَ الرَّسُول رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَة]

الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «اسْتَعْمَلَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ إلَى أَنْ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَ هَدِيَّتُهُ إنْ كَانَ صَادِقًا وَاَللَّهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ - ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إبِطَيْهِ يَقُولُ - اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْت» فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ هِيَ عَطِيَّةٌ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ الْمُعْطِي وَكَرَامَتَهُ فَلَمْ يَنْظُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ظَاهِرِ الْإِعْطَاءِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَلَكِنْ نَظَرَ إلَى قَصْدِ الْمُعْطِينَ وَنِيَّاتِهِمْ الَّتِي تُعْلَمُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ بِحَيْثُ لَوْ نُزِعَ عَنْ تِلْكَ الْوِلَايَةِ أُهْدِيَ لَهُ تِلْكَ الْهَدِيَّةُ لَمْ تَكُنْ الْوِلَايَةُ هِيَ الدَّاعِيَةُ لِلنَّاسِ إلَى عَطِيَّتِهِ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ بِالْعَطِيَّةِ إنَّمَا هِيَ وِلَايَتُهُ إمَّا لِيُكْرِمَهُمْ فِيهَا أَوْ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ أَوْ يُقَدِّمَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْصِدُونَ بِهِ الِانْتِفَاعَ بِوِلَايَتِهِ أَوْ نَفْعِهِ لِأَجْلِ وِلَايَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>