للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا التَّدَاوِي فَلَا يَتَعَيَّنُ تَنَاوُلُ هَذَا الْخَبِيثِ، طَرِيقًا لِشِفَائِهِ، فَإِنَّ الْأَدْوِيَةَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِغَيْرِ الْأَدْوِيَةِ كَالدُّعَاءِ، وَالرُّقْيَةِ، وَهُوَ أَعْظَمُ نَوْعَيْ الدَّوَاءِ. حَتَّى قَالَ بُقْرَاطُ: نِسْبَةُ طِبِّنَا إلَى طِبِّ أَرْبَابِ الْهَيَاكِلِ، كَنِسْبَةِ طِبِّ الْعَجَائِزِ إلَى طِبِّنَا.

وَقَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ بِغَيْرِ سَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ بَلْ بِمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْجِسْمِ مِنْ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ:

أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ. وَأَمَّا التَّدَاوِي فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَئِمَّةِ. وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، بَلْ قَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: التَّدَاوِي؟ أَمْ الصَّبْرُ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ الْجَارِيَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصْرَعُ، وَسَأَلَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْعُوَ لَهَا، فَقَالَ: إنْ أَحْبَبْت أَنْ تَصْبِرِي وَلَك الْجَنَّةُ، وَإِنْ أَحْبَبْت دَعَوْت اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَك فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، وَلَكِنِّي أَنْكَشِفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَنْكَشِفَ، فَدَعَا لَهَا أَنْ لَا تَتَكَشَّفَ.» وَلِأَنَّ خَلْقًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَمْ يَكُونُوا يَتَدَاوَوْنَ، بَلْ فِيهِمْ مَنْ اخْتَارَ الْمَرَضَ. كَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِمْ تَرْكَ التَّدَاوِي.

وَإِذَا كَانَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَاجِبًا، وَالتَّدَاوِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لَمْ يَجُزْ قِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنَّ مَا كَانَ وَاجِبًا قَدْ يُبَاحُ فِيهِ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ؛ لِكَوْنِ مَصْلَحَةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ تَغْمُرُ مَفْسَدَةَ الْمُحَرَّمِ، وَالشَّارِعُ يَعْتَبِرُ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ، فَإِذَا اجْتَمَعَا قَدَّمَ

الْمَصْلَحَةَ

الرَّاجِحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْمَرْجُوحَةِ؛ وَلِهَذَا أَبَاحَ فِي الْجِهَادِ الْوَاجِبِ مَا لَمْ يُبِحْهُ فِي غَيْرِهِ، حَتَّى أَبَاحَ رَمْيَ الْعَدُوِّ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَتَعَمُّدُ ذَلِكَ يَحْرُمُ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[التَّدَاوِي بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ]

٣٦٤ - ٤ - سُئِلَ: عَنْ رَجُلٍ وُصِفَ لَهُ شَحْمُ الْخِنْزِيرِ لِمَرَضٍ بِهِ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا؟

أَجَابَ: وَأَمَّا التَّدَاوِي بِأَكْلِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ.

وَأَمَّا التَّدَاوِي بِالتَّلَطُّخِ بِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ مُبَاشَرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>