[الْوَجْه السَّادِسُ قَوْل النَّبِيّ مَنْ أَدَخَلَ فَرَسًا بَيْن فَرَسَيْنِ]
الْوَجْهُ السَّادِسُ
مَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ قَدْ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَلَيْسَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَلِكَ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ: سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةٌ يُخْطِئُ فِي حَدِيثِهِ كَثِيرًا، وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ مَا رَوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي قَالُوهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَرْوِي أَشْيَاءَ يُخَالِفُ فِيهَا النَّاسَ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي رِوَايَتِهِ إذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا رَوَى حَدِيثًا مُسْتَقِلًّا وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَقَدْ زَالَ الْمَحْذُورُ، وَظَهَرَ أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا مَحْفُوظًا بِمُتَابَعَةِ غَيْرِهِ لَهُ.
فَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ إخْرَاجَ السَّبَقِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ مَعًا، لِأَنَّهُ قِمَارٌ؛ إذْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ يُعْطِيَهُ عَلَى السَّبْقِ، وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ أَنْ يَجْعَلَ لِلسَّابِقِ جُعْلًا عَلَى سَبْقِهِ، فَيَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْجَعَالَةِ: فَإِذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا كَانَ لَهُمَا حَالٌ ثَانِيَةٌ، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَا جَمِيعًا الثَّالِثَ، فَيَكُونَ الثَّالِثُ لَهُ جُعْلٌ عَلَى سَبْقِهِ، فَيَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْجَعَائِلِ حَتَّى يَكُونَ فَرَسًا يَحْصُلُ مَعَهُ مَقْصُودُ انْتِفَاءِ الْقِمَارِ بِأَنْ يَكُونَ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَسْبِقَ فَيَأْخُذَ السَّبَقَيْنِ جَمِيعًا.
وَمَنْ جَوَّزَ الْحِيَلَ فَإِنَّهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ؛ إمَّا أَنْ يُجَوِّزَ هَذَا فَيَكُونَ مُخَالِفًا لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُكْمِهِ وَأَمْرِهِ وَهُوَ مِنْ الْعَظَائِمِ، أَوْ لَا يُجَوِّزَهُ. فَمَعْلُومٌ أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِهِ أَنْ يُحْرِزَ هَذَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ قَصْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ، وَلَا يَعْتَبِرُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحِيَلُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مَا يُسَاوِي مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّمَا ذَلِكَ لِمَا يُقَابِلُ الْمِائَةَ أَلْفٍ مِنْ دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا أُخِذَتْ بِاسْمِ الْقَرْضِ وَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute