وَقَالَ النَّبِيُّ: «مَنْ أَصْبَحَ وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ: شَتَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ أَصْبَحَ وَالْآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمِّهِ: جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» .
[مَسْأَلَةٌ فِي الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ]
١٠٥١ - ٢٧ مَسْأَلَةٌ:
فِي الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ؟ وَهَلْ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا سَبْعٌ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ؟ أَوْ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهَا مَا اتَّفَقَتْ فِيهَا الشَّرَائِعُ - أَعْنِي عَلَى تَحْرِيمِهَا - أَوْ إنَّهَا مَا تَسُدُّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ، أَوْ إنَّهَا تُذْهِبُ الْأَمْوَالَ وَالْأَبْدَانَ، أَوْ إنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ كَبَائِرَ بِالنِّسْبَةِ وَالْإِضَافَةِ إلَى مَا دُونَهَا، أَوْ إنَّهَا لَا تُعْلَمُ أَصْلًا وَأُبْهِمَتْ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ، أَوْ مَا يَحْكِي بَعْضُهُمْ أَنَّهَا إلَى التِّسْعِينَ أَقْرَبُ، أَوْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ كَبِيرٌ.
أَوْ إنَّهَا مَا رَتَّبَ عَلَيْهَا حَدًّا وَمَا تَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِالنَّارِ.
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ: حَدِّ الدُّنْيَا وَحَدِّ الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ.
وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَلَا وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ، أَيْ وَعِيدٌ خَاصٌّ كَالْوَعِيدِ بِالنَّارِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَعِيدَ الْخَاصَّ فِي الْآخِرَةِ كَالْعُقُوبَةِ الْخَاصَّةِ فِي الدُّنْيَا، فَكَمَا أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِي الْعُقُوبَاتِ الْمَشْرُوعَةِ لِلنَّاسِ بَيْنَ الْعُقُوبَاتِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ، وَجَلْدِ مِائَةٍ أَوْ ثَمَانِينَ، وَبَيْنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُقَدَّرَةٍ وَهِيَ التَّعْزِيرُ، فَكَذَلِكَ يُفَرَّقُ فِي الْعُقُوبَاتِ الَّتِي يُعِزُّ اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ فِي غَيْرِ أَمْرِ الْعِبَادِ بِهَا بَيْنَ الْعُقُوبَاتِ الْمُقَدَّرَةِ كَالْغَضَبِ، وَاللَّعْنَةِ، وَالنَّارِ، وَبَيْنَ الْعُقُوبَاتِ الْمُطْلَقَةِ.
وَهَذَا الضَّابِطُ يَسْلَمُ مِنْ الْقَوَادِحِ الْوَارِدَةِ عَلَى غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ: كَالشِّرْكِ، وَالْقَتْلِ، وَالزِّنَا، وَالسِّحْرِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ الَّتِي فِيهَا عُقُوبَاتٌ مُقَدَّرَةٌ مَشْرُوعَةٌ، وَكَالْفِرَارِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute