وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِعْلَ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكَ مُحَرَّمٍ فَهَا هُنَا لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ يَجِبُ التَّكْفِيرُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَبْلَ أَنْ تُشْرَعَ الْكَفَّارَةُ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى مِثْلِ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْوَفَاءُ بِيَمِينِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ لَهُ تَرْفَعُ عَنْهُ مُقْتَضَى الْحِنْثِ، بَلْ يَكُونُ عَاصِيًا مَعْصِيَةً لَا كَفَّارَةَ فِيهَا سَوَاءٌ وَفَّى أَوْ لَمْ يَفِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ مَعْصِيَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي نَذْرِهِ كَفَّارَةً، وَكَمَا إنْ كَانَ الْمُحْلَفُ عَلَيْهِ فِعْلَ طَاعَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ.
[فَصَلِّ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ]
فَصْلٌ
فَأَمَّا الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ الَّذِي هُوَ نَذَرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ: مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ أَوْ فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَيَّ صِيَامٌ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنْ الْفِعْلِ، أَوْ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ الْحَجُّ وَنَحْوُهُ، فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَهُوَ قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْهُ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَأَكْثَرُهُمْ قَالُوا هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَيْنًا كَمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَهُوَ الرَّاوِيَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَطَائِفَةُ مَنْ يُحِبُّ الْوَفَاءَ بِهَذَا النَّذْرِ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمِصْرَ، فَأَفْتَى بِهَا بِالْكَفَّارَةِ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا قَوْلُك. قَالَ: قَوْلُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَذَكَرُوا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَنَّثَ ابْنَهُ فِي هَذِهِ الْيَمِينِ فَأَفْتَاهُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ بِقَوْلِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ: إنْ عُدْت حَلَفْت أَفْتَيْتُك بِقَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَلِهَذَا تَفَرَّعَ أَصْحَابُ مَالِكٍ مَسَائِلَ هَذِهِ الْيَمِينِ عَلَى النَّذْرِ لِعُمُومَاتِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ، لِقَوْلِهِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ جَائِزٌ مُعَلَّقٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute