جَوَابِهَا، وَقَالَ: يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِمْ بِمُحْدَثِهِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَدَّ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا إمَامٌ مُقَدَّمٌ، قَالَ الْمَرْوَزِيِّ: فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ قَدِمَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ عَكْبَرَا وَمَعَهُ شَيْخُهُ وَكِتَابٌ مِنْ أَهْلِ عَكْبَرَا فَأَدْخَلْت أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ، عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ذَا الْكِتَابِ أَدْفَعُهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى يَقْطَعَهُ، وَأَنَا أَقُومُ عَلَى مِنْبَرِ عَكْبَرَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِي: يَنْبَغِي أَنْ تَقْبَلُوا مِنْهُ فَرَجَعُوا إلَيْهِ.
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَى الْأَصْلِ الْفَاسِدِ الَّذِي ظَنَّهُ الْمُتَفَرِّقُونَ مِنْ إثْبَاتِ الْمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي يُسَمُّونَهُ جَبْرًا يُنَافِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، حَتَّى جَعَلَهُ الْقَدَرِيَّةُ مُنَافِيًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُطْلَقًا، وَجَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجَبْرِيَّةِ مُنَافِيًا لِحُسْنِ الْفِعْلِ وَقُبْحِهِ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ مِمَّا اعْتَمَدُوهُ فِي نَفْيِ حُسْنِ الْفِعْلِ وَقُبْحِهِ الْقَائِمِ بِهِ، الْمَعْلُومِ بِالْعَقْلِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ إلَّا كَمَا يُنَافِيهِ بِمَعْنَى كَوْنِ الْفِعْلِ مُلَائِمًا لِلْفَاعِلِ وَنَافِعًا لَهُ، وَكَوْنُهُ مُنَافِرًا لِلْفَاعِلِ وَضَارًّا لَهُ.
[مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ يَقُولُ النُّصُوصُ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ]
١٠ - مَسْأَلَةٌ:
فِيمَنْ يَقُولُ إنَّ النُّصُوصَ لَا تَفِي بِعُشْرِ مِعْشَارِ الشَّرِيعَةِ، هَلْ قَوْلُهُ صَوَابٌ؟ وَهَلْ أَرَادَ النَّصَّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، أَوْ الْأَلْفَاظَ الْوَارِدَةَ الْمُحْتَمِلَةَ؟ وَمَنْ نَفَى الْقِيَاسَ وَأَبْطَلَهُ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ، هَلْ قَوْلُهُ صَوَابٌ؟ ، وَمَا حُجَّتُهُ عَلَى ذَلِكَ؟ وَمَا عَنَى قَوْلُهُ " النَّصَّ ".
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. هَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ كَأَبِي الْمَعَالِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ النُّصُوصَ وَافِيَةٌ بِجُمْهُورِ أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا وَافِيَةٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعَانِيَ النُّصُوصِ الْعَامَّةَ الَّتِي هِيَ أَقْوَالُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشُمُولَهَا لِأَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الْجَامِعَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي هِيَ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ وَقَاعِدَةٌ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً وَتِلْكَ الْأَنْوَاعُ تَتَنَاوَلُ أَعْيَانًا لَا تُحْصَى، فَبِهَذَا الْوَجْهِ تَكُونُ النُّصُوصُ مُحِيطَةً بِأَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute